إنها من باب العظة والتأسي بالماضين وكلمة عمرو بن قميئة:
يا لهف نفسي على الشباب ولم ... أفقد به إذ فقدته أمما
إذ أسحب الريط والمروط إلى ... أدنى تجاري وانفض اللمما
لا تغبط المرء أن يقال له ... أمسى فلان لسنه حكما
إن سره طول عمره فلقد ... أضحى على الوجه طول ما سلما
والحكمة أبدًا يخالطها إمتاع مقصود إليه أو مصاحب -ومما يحسن أن نختم به هذا الفصل قول متمم بن نويره- ومن أجل تناول كلمته أشتات معاني الرثاء وجمعها ونظمها نظمًا فريدًا مع لوعة ونفس رصين قدمها من قدمها في باب المراثي- وقوله هذا الذي نختم به داخل في معنى الضرب الرابع من ضروب الرثاء وهو المتعلق بطلب الثأر وإدراكه والتحريض عليه، ولا يخفى أن متممًا لم يستطع إلى إدراك ثأره سبيلًا إذ قتل أخوه مرتدًا، وكان خالد رضي الله عنه بأمر الحرب عالمًا وفي دينه ذا بصيرة:
فقصرك إني قد شهدت فلم أجد ... بكفي عنهم للمنية مدفعا
فلا فرحا إن كنت يوما بغبطةٍ ... ولا جزعًا مما أصاب فأوجعا
أي إن كنت في حال نعماء يغبطني عليها الناس.
فلو أن ما ألقى يصيب متالعا ... أو الركن من سلمى إذًا لتضعضعا
ألم تأت أخبار المحل سراتكم ... فيغضب منكم كل من كان موجعا
بمشمته إذ صادف الحتف مالكا ... ومشهده ما قد رأى ثم ضيعا
أي لم يلق على مالك ثوبا فيكفنه كما صنع الرجل المجهول الذي الهذلي في كلمته حيث قال:
حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا ... خراشٌ وبعض الشر أهون من بعض
ولم أدر من ألقى عليه رداءه ... ولكنه قد سل عن ماجدٍ محض