المعنى؛ لأن هذه القصيدة من المنصفات، ما من شيء وصف به العدو إلا وصف به قومه من الإقدام والجولة والثبات والقتل.
شددنا شدة فقتلت منهم ... ثلاثة فتية وقتلت قينا
وشدوا شدة أخرى فجروا ... بأرجل مثلهم ورموا جوينا
وكان أخي جوينٌ ذا حفاظٍ ... وكان القتل للفتيان زينا
هنا الرثاء كما ترى
فآبوا بالرماح مكسراتٍ ... وأبنا بالسيوف قد انحنينا
فباتوا بالصعيد لهم أحاحٌ ... ولو خفت لنا الكلمى سرينا
والحكمة التي تستفاد من ههنا ما تصنعه الحرب من فساد، وقد أقبلوا غاضبين ثم زين لهم حب الحياة الفرار، ثم حملهم الحفاظ على الثبات، ثم ما كان بعد ذلك إلا القتلى والكلوم.
وهذا الباب مما يتسع. ومما يقوي ما نذهب إليه من ارتباط الوصايا والعظة والحكمة وأمر الموت والرثاء وأمر الثأر كل ذلك بعضه ببعض أن أبا تمام وهدك من عالم ناقد خبير قد جعل أول أبواب اختياره في ديوان الحماسة للحماسة ثم جعل بعده المراثي ثم جعل بعده الأدب وفي باب الحماسة نفسه مراثٍ مما يجري مجرى ذكر الحرب والثأر ككلمة عبد الشارق الجهني هذه، وكلمة كبشة وكلمة قيس بن زهير:
تعلم أن خير الناس ميتٌ ... عليه جفر الهباءة لا يريم
ولولا ظلمه لظللت أبكي ... عليه الدهر ما طلع النجوم
ولكن الفتى حمل بن بدرٍ ... بغى والبغي مرتعه وخيم
وفي باب الأدب كلمة سلمي بن ربيعة «إن شواء ونشوة» وقد تقدم الحديث عنها