وصفهم بالشجاعة إذ شبههم بالمطر ذي البرد كما وصف قومه بذلك وفي الصورة بعد جمال الأخذ من الطبيعة، أن تناسيت المشبه وتوفرت على تأمل المشبه به، عارض برد، ثم تسيل السيول، وهي الصورة التي فصلها امرؤ القيس ووازعا السيل هما شاطئاه لأنهما يزعانه أي يكفانه فإذا فاض وطمى ركبهما وعم وغمر ودمر.
تنادوا يالبهثة إذ رأونا ... فقلنا أحسني ضربًا جهينا
سمعنا دعوةً عن ظهر غيب ... فجلنا جولةً ثم ارعوينا
أي تراجعنا، كأنا أحسسنا بصوت من ورائنا. ويجوز، وهو عندي أقوى، أنهم تراجعوا كلٌّ عن قرنه كلالًا أو تهيبًا أو رغبة في الفرار ثم ناداهم محرضوهم من ورائهم فعادوا إلى القتال. وقوله:«فجلنا جولةً» يشعر بمعنى الفرار. وفي أخبار حروب السيرة من التفصيل ما يقوي القياس عليه هذا المعنى، كخبر أحد:«إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخريكم» وكخبر حنين.
فلما أن تواقفنا قليلًا ... أنخنا للكلا كل فار تمنيا
فلما لم ندع قوسًا وسهمًا ... مشينا نحوهم ومشوا إلينا
تلالؤ مزنةٍ برقت لأخرى ... إذا حجلوا بأسياف ردينا
إذا حجلوا أي مشوا كمشية الطير، مشية فيها خيلاء ونزوان وهي مشية الغراب وجعلها دريد مشية الطير عامة حين تلغ في الدماء وتنقر جثث القتلى وهو قوله:
وعبد يغوث تحجل الطير حوله ... وعز المصاب حثو قبرٍ على قبر
ويقال ردى الغراب بمعنى حجل وهي مشيته ذات النقزان وردى الفرس أي رجم الأرض بين المشي والعدو. ومن فسر حجلوا ههنا -بمعنى مشوا مشية المقيد، أضاع