ثم جعل يصف ظمياء هذه بما توصف به حسان النساء. وكان معروفًا للفرزدق ويعرف ذلك لنفسه أنه لم يكن يجيد تلك الإجادة في حرارة الغزل ومعاني النسيب.
وما مغزلٌ بالغور غور تهامه ... ترعى أراكًا من مخارمها نضرا
وغور تهامة ههنا من حيث طريقة النظم مثل خدر عنيزة.
من العوج حواء المدامع ترعوي ... إلى رشأٍ طفلٍ تخال به فترا
أي الأماكن التي يقال لها العوج في جبال طيء كل منها عوجاء وطفل أحسبه بفتح الطاء أي ناعم.
بأحسن من ظمياء يوم لقيتها ... ولا مزنة راحت غمامتها قصرا
أي عصرًا- ثم ما هو إلا أن يشعرنا أشعارًا لا غموض فيه أن ظمياء ما هي إلا كناية عمن سينتصر له من سادة بني أمية ويحميه مما أوعده به زياد- وهو سعيد بن العاص:
إذا أوعدني عند ظمياء ساءها ... وعيدي وقالت لا تقولوا له هجرا
فظمياء كناية عن قريش وعن هذا القرشي الذي أجاره. وقد زعموا أن زيادًا رق للفرزدق لما ذكر هذا خوفه منه وشبهه بالأسد فبعث إليه يعده العفو والعطاء فكان الفرزدق أحذر من غراب وقال هذه الأبيات- وقال مباشرة بعد هذا:
وكم دونها من عاطف ذي صريمةٍ ... وأعداء قومٍ ينذرون دمي نذرا
إذا أوعدني عند ظمياء ساءها ... وعيدي وقالت لا تقولوا له هجرا
أي سوءا وهذا البيت نص في ما نزعمه.
دعاني زيادٌ للعطاء ولم أكن ... لآتيه ما ساق ذو حسب وفرا
وعند زياد لو يريد عطاءهم ... رجالٌ كثير قد يرى بهم فقرا