للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أكدى الذين يعتده عدة ... وضاع من يرجوه للضائع

ومثل قوله:

يكره صدر الرمح أو ينثني ... وقد تروى من دم ماتع

بطعنة خرقاء قد ضيعت ... حزامة المستلئم الدارع

وما أرى استعمال أبي تمام للسريع وأشياء غيره من بحور الشعر التي لا تلائم نفسه ونبل أغراضه ومنهجه في النظم إلا اعتسافا منه أو شيئًا من قبيل ما يسميه الإنجليز نقلا عن الفرنسية "تور دي فورس"، فقد كان الرجل حريصا على أن يروض كل البحور وكل القوافي.

وكلا الشاعرين "البحتري والمتنبي" كان أحكم منه إذ تنكب هذا البحر. واستعمله المعري فلم يوفق إلا في سينيته التي ذكرناها وهي من النوع الأول من السريع وهو ثقيل مباين للضربين الثاني والثالث. وقد ركبه في داليته (١):

أحسن بالواجد من وجده ... صبر بعيد النار في زنده

وهي كلمة أفلتت من اللزوميات فجاء مكانها من سقط الزند قلقا.

هذا وكأن إعراض البحتري والمتنبي عن السريع ألقى على سوقه التي كانت رائجة ظللا من الكساد. ولم يجده إكثار ابن الرومي منه، فقد كان الرجل على فضله جهم الديباجة فاتر النفس.

وابتعث السريع بأخرة جماعة من المعاصرين. ولعل السبب في هذا سهولة النظم فيه وغلبة الترقيق على الأساليب الحديثة. ولكني أرجح أنه لن يزحزح الرمل عن مكان الصدارة من قلوب المعاصرين (٢).


(١) شرح التنوير ٢ - ٣.
(٢) قد تجاوز الناس السريع الآن إلى مذاهب الشعر الحر فاعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>