للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا هو المدح الجيد والكلام النبيل. ولا يكاد يلحق مدح الرائية بغباره، وليس فيه رنته وقوته وجرسه. ولا تحسبن أن زهيرصا قصر في الأداء في رائيته.

- فقد ذكر شجاعة الممدوح وكرمه ومروءته في لفظ جيد هناك. ولكن الوزن خانه فجاء كلامه فاترًا لا رونق فيه:

والآن تأمل معي شيئًا من رائية المسيب. قال في مطلعها النسيبي يشبه حبيبته:

كجمانة البحري جاء بها ... غواصها من لجة البحر

صلب الفؤاد رئيس أربعة ... متخالفي الألوان والنجر

فتنازعوا حتى إذا اجتمعوا ... ألقوا إليه مقالد الأمر

وعلت بهم سجحاء خادمة ... تهوي بهم في لجة البحر (١)

انظر إلى هذا القصص والاسترسال من غير ما مبالاة بالإيطاء وتحكيك اللفظ وتجويد الاستعارة كما يفعل زهير. وما أشك أن بعد هذا البيت في وصف السفينة أبياتًا أخر ضيعتها الرواية. وعليها وعلى نظائرها اعتمد الأعشى في وصفه للفرات وسفائنه - ثم على هذا جميعًا اعتمد بشار في بائيته "سلم على الدار بذي تنضب" (٢) التي وصف فيها ركوب البحر والسفينة فأطال، وعن بشار أخذ مسلم بن الوليد في رائيته التي يقول فيها (٣):

وملتطم الأمواج يرمي عبابه ... بجرجرة الآذي للعبر فالعبر


(١) قوله فعلت بهم سجحاء: عنى بها السفينة. خادمة: أي عاملة مجدة في السير - وانظر إلى لطف هذه اللغة كيف سمت السفينة جارية وخادمة.
(٢) ديوان بشار - ١٤٥.
(٣) من قصيدته التي مطلعها: "أديري على الكأس ساقية الخمر".

<<  <  ج: ص:  >  >>