للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وترى الصراري يسجدون لها ... ويضمها بيديه للنحر (١)

فبتلك شبه المالكية إذ ... طلعت ببهجتها من الخدر

هذا مثال من قسم النسيب في رائية المسبب. ولا يخفى على القارئ أنه من أجود ما قيل في الشعر العربي، وأحلاه لفظًا، -والآن نلتفت إلى قسم المدح- ونترك وصف الناقة وتتمة النسيب وما إلى ذلك، قال:

أنت الرئيس إذا هم نزلوا ... وتواجهوا كالأسد والنمر

لو كنت أجود بالعطاء من الر ... يان لما جاد بالقطر

ولأنت أشجع من أسامة إذ ... يقع الصراخ ولج في الذعر

ولأنت أبين حين تنطق من ... لقمان لما عي بالأمر

ولأنت أحيى من مخبأة ... عذراء تقطن جانب الكسر (٢)

فهذا خطاب سهل مباشر، كأنما كان الشاعر يتغنى به تغنيًا. فقل لي بالله أين هذا الكلام المنساب في كلا شطري نسيبه ومدحه من كلام زهير؟ مع أن زهيرًا لم يأل جهدًا؟ ! ألا تحس أن المسيب قد وفق في اختيار الوزن أكثر من زهير، وأن هذا البحر المدندن، الغنائي، أشبه بما قصد إليه الشاعر الربعي من ترنم، مما قصد إليه الشاعر المزني من تفخيم؟

وفي شعر ابن أبي ربيعة والعرجي والأحوص وغزلي الحجاز تجد كل ما ذكرناه لهذا البحر من صفات الحوار والرقة والقصص السهل والصلاحية للتغني. وقد


(١) الصراري: الملاحون.
(٢) قوله: أجود بالعطاء من الريان، فالريان عنى هنا به السحاب. وقوله لما عي بالأمر، يعني أن لقمان لا يعي بأمره، فإذا وقع أمر يجوز أن يكون لقمان فيه عييا فإنك لا تعيا به، أو أن لقمان لما ضاق بالأمر ذرعا جعل يستعين بالبيان ليجد منه مخرجا. وقوله الكسر: عني به كسر البيت وخدر الفتاة ومخبأها.

<<  <  ج: ص:  >  >>