فلاين الفرزدق واستزاره فنفر هذا خوفًا منه، وكان فروقة من الولاة ومع ذلك جريئًا عليهم لمكان قوة قومه. وقال:
دعاني إلى جرجان والري دونه ... أبو خالد إني إذن لزؤوؤ
لآتي من آل المهلب ثائرًا ... بأعراضها والدائرات تدور
ثم إنه مدح يزيد بن المهلب المدح الجيد، من ذلك قوله:
وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم ... خضع الرقاب نواكس الأبصار
وهي من شواهد النحو وزعم زاعم أنه إنما قال «نواكسي الأبصار»، يفر بهذه من أن يكون الفرزدق قد جمع فاعلًا على فواعل وهذه إنما تكون للمؤنث نحو شاعرة وشواعر ولغير العاقل نحو شاهق وشواهق وقولهم فوارس يشهد للفرزدق بصحة ما ذهب إليه إذ الناكسو الرؤوس هنا هم الفوارس السادة من القوم إذ رأوا يزيد.
قالوا فأراد يزيد بن عبد الملك الفرزدق على هجاء آل المهلب بعد أن خرجوا على بني أمية وهزموا في «العقر» فاستعفى الفرزدق من ذلك واعتذر بأنه قد مدحهم مدحًا لا يحسن به (بعد أن أسن) أن يهجوهم فيناقض نفسه أو يخس بقدرها: وقد كان هذا من جانب الفرزدق مع ما فيه من الاحتراس لكرامة نفسه، جاريًّا مع روح المحافظة على الموادعة التي كانت بين تميم والأزد. أورد هذا الخبر صاحب الأغاني في أخبار الأحوص ليزري به.
واستعانة الخلفاء بالشعراء في الهجاء قد كانت من معدن سياسة بني أمية وجروا فيها على مذهب العرب. وقد حمل يزيد بن معاوية الأخطل على هجاء الأنصار. وكأن ذلك قد كان منه تمهيدًا للفتكة التي فتكها بهم في وقعة الحرة.