وقد كان للشعراء في زمان بني أمية سند من قومهم. فمدح مادحهم كما ينطق به بلسان ننفسه يعبر به أيضًا عن قومه. وكان أمر بني أمية كله قائمًا على العصبيات تتناحر ومع التناحر يكون نوع من توازن منشأه من هذه المتصارعات التي دفع الله الناس فيها بعضهم ببعض يتأتى منه عنصر استقرار المجتمع، الذي يكون به قوام السياسة. قول الأخطل:
فإن لا تغيرها قريش بملكها ... يكن عن قريش مستماز ومزحل
يدل على أن أمر بني أمية كان في جملته هو أمر قريش. هم سراة العرب المقدمون وبنو أمية معدنهم. وفي بيت أمية نفسه اصطراع ثم كانت الغلبة لبني مروان. وفي قريش اصطراع ثم كانت الغلبة لبني أمية. وهكذا وهلم جرا.
كان بنو هاشم -وهم بيت آل النبي الأقربين- هم المعارضة القوية الظاهرة والخفية لبني أمية. وإنما سادم بنو أمية ببقية شرف الجاهلية. وكان الشعراء ربما مال بهم -كما يميل بزعماء قومهم- حب دنيا بني أمية وفي قلوبهم تفضيل آل البيت. وقد كان الفرزدق من هذا الضرب. وقد كانت منه إلى ولاة بني أمية -لا بل إلى خلفائهم بدءًا بمعاوية- جنادع من أنفاس الهجاء.
وتنسب إلى الفرزدق في زين العابدين كلمته الميمية التي يقول فيها:
هذا ابن خير عباد الله كلهم ... هذا التقي النقي الطاهر العلم
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
وليس قولك من هذا بضائره ... العرب تعرف من أنكرت والعجم
ويدخلون فيها قوله:
في كفه خيزران ريحه عبق ... من كف أروع في عرنينه شمم
يغضي حياء ويغضي من مهابته ... فلا يكلم إلا حين يبتسم