تبكي على طلل الماضين من أسد ... لا در درك قل لي من بنو أسد
هذا الضجر الفني منشأه من إحساس النواسي بضرورة البداوة أنها معدن شعر العرب. ونقيضها الذي ذهب إليه أبو العتاهية كان مما يتأذى به أشد الأذى.
روائع أبي نواس بدويات الروح. وذلك أنه سما فوق المجون إلى المنادمة فهي رفعة وجد. وقد كانت الخلافة أبدًا -على أنها بحبوحة الشرف- مكان المحافظة المكين. وبقية التحام بداوة العرب بحضارتهم، تلك الازدواجية القديمة، لم تزل منها فيها على ما جعل ينتقص ذلك من غوائل الزمان.
وخلف مسلم مروان بن أبي حفصة على مدح سادة بني شيبان. وكان مروان بن أبي حفصة شيئًا بين بشار وابن هرمة في منهج أسلوبه، ناصع العبارة، انتهازيًّا يجن هوى مواليه بني أمية ويتصيد دراهم بني العباس ورضاهم، ويطعن في إرث بني فاطمة وفي قلبه إنكار الإرث كله على مذهب معاوية ويزيد وبني مروان والله عليم بذات الصدور. وقد راع نصوع بيانه وصفاء ديباجته أهل زمانه، غير أنهم لا جعلوه ساقة القدماء كابن هرمة ولا أبا المحدثين ورائدهم كبشار. وقد كان شعره في زمانه كالصحافة السياسية الجيدة في أزماننا هذه تحيا الأسابيع ثم تتضمنها الأضابير.
فكانت رنة إيقاع القريض أبقى شيئًا على ما صنع مروان -مثل قوله:
مضى لسبيله معن وأبقى ... مكارم لن تبيد ولن تنالا
وكان الناس كلهم لمعن ... إلى أن زار حفرته عيالا
وهي مرثية طويلة ليس فيها غير محض الفصاحة كبير شيء. وأورد له ابن المعتز كافية قال «وهذه القصيدة تسمى الغراء أخذ عليها من ابن معنٍ مالًا كثيرًا» ونص من قبل على أنها قليل وجودها عند أكثر الناس فدل بذلك على فناء شعره بدهر