وقد اهتم جار الله محمود بن عمر الزمخشري بأمر البلاغة العربية عامة، وبلاغة القرآن خاصة، ومهد لتفسيره الجليل بعمل معجمه البلاغي النادر المثال «الأساس -أساس البلاغة».؟ مما يدلك على أنه مهد به تفسيره لقوله تعالى:{إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون} فقد قال إن المرأة لا يقال لها مفندة لأنها لم يكن لها عقل وهي شابة وهذا الوجه بعينه جاء في عبارة «الأساس» ولعل «الفائق» مما مهد به أيضًا. وقد ألف تفسيره وهو مجاور بمكة. وقد اعتمد على ابن جرير. إلا أن مذهبه في بيان البلاغة القرآنية كأن قد انفرد به. واستشهاده بالشعر غزير. وكان مما ذهب إليه الاستشهاد بشعر حبيب وأبي الطيب، يجعل ما يقولانه بمنزلة ما يرويانه. وما سوغ له ذلك إلا ما أحسه بجودة ذوقه من تمكنهما من جزالة القول. وما كل علامة راوية بمستطيع جزل الكلام إن رام قوله. ماعدا الزمخشري أن استأنس بما أورد من شعر فحول المحدثين إذ لم يكن خافيًا عليه أنه لا يصح الاستشهاد بكلامهم على شيء من نحو أو صرف أو لغة. وقد سلك مسلك الزمخشري رحمه الله جماعة منهم مثلًا صاحب «مغني اللبيب» ومن الأوائل من تشدد أحيانًا فكره الاستشهاد بمن لا شك في فصاحته كالذي ذكره أبو الفرج من طعن يونس في ابن قيس الرقيات مثلًا.
علم الأوائل كله كان مداره على صحة الرواية عن مشافهة. وكان الحديث أدق العلوم رواية وأعوصها طريقًا فيها. وكان سيبويه شيخ النحاة رحمه الله قد طلب الحديث أول الأمر. ثم لما خطأه حماد بن سلمة في حديث «ليس أبا الدرداء» عدل إلى درس النحو. فلم يكن ليستشهد على مسائل النحو بما لم يكن على معرفة حقة بوجوه صحة روايته من علوم الحديث. وقد عدل عن متابعتها كما ترى. وقد كان قرأ القرآن على حفظته ورواته ويذكر أسماءهم في كتابه. وقد روى الأشعار وسمع مشافهة من العرب. فعول على هذا الذي كان يعلمه ويعلمه علماؤه. وقد كان عاصم بن أبي النجود، أحد شيوخ أبي عمرو [وهو شدخ سبويه] حجة في القرآن جلس يعلمه بالكوفة أربعين سنة بعد أبي عبد الرحمن السلمي وهذا جلس من قبل يعلمه أربعين سنة وعن الصحابة الأجلاء أخذ -وذكروا أن عاصمًا لما أدركته الوفاة كان يردد قوله تعالى {ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق} يحقق القاف تحقيقًا حتى قبض الله روحه. مع هذا لم يكن عاصم بحجة عند أهل الحديث مع إجماعهم على قرآنه وصلاحه وعلمه فتأمل.
ليس الأمر أن الحديث كان يروي بالمعنى فلذلك لم يستشهد به النحويون كلا. كان من رواة الحديث رجال هم من جيل من يستشهد بكلامه بلا ريب. كالشيوخ الذين عنهم أخذ الإمام مالك. وقد قيل ذلك في مالك نفسه وزعموا أن دجاجلة جمع