دجال لم يعرفه أهل اللغة إلا منه في خبر يذكرونه له فيما بينه وبين ابن إسحاق، وابن إسحاق ممن وثقه مسلم والبخاري. فلعل هذا الخبر ألا يصح والله تعالى أعلم. إنما ذكرناه استيفاء للحجة فيما ذكرناه من فصاحة أهل رواية الحديث الأولين الذين عنهم أخذ أمراء جرحه وتعديله ومعرفة صحيحه من ضعفه.
وما أرى إلا أن سيبويه رحمه الله كان يعلم أحاديث كثيرة. ولكن تحرج أن يستشهد بما لم يجز عليه مشافهة. وكان في القوم دقة في التحصيل، ومراقبة لله فيه، وحرص على تجويد ما يقبلون عليه من عمل.
واقتدى بسيبويه من أخذوا الكتاب عن سعيد بن مسعدة وكان صدوقًا.
هذا -قدمنا أن عرفان العربية وتذوق جزالة أساليبها مما حفظ الله به كتابه. وقد وعد ووعده الحق أنه حافظه. والقصيدة المحكمة هي المفتاح الأول لعرفان العربية وأهدى المسالك إلى تذوق جزالة أساليبها. من أجل هذا ما استأنس الزمخشري بشعر أبي تمام وأبي الطيب وهو في معرض الإرشاد إلى نكت بلاغة القرآن. وقد تعلم قوله أن المعري إنما برى لقول الله تعالى {إنها ترمي بشرر كالقصر} حيث قال هو:
حمراء ساطعة الذوائب في الدجى ... ترمي بكل شرارة كطراف
والمقامة على فضلها، بين يدي القصيدة جارية تخدمها.
وأبى الله، وهو أعلم بمراده ودقائق حكمته. أن تزول القصيدة المحكمة ومكانها فيما وعد به من حفظ كتابه مكانها، ولا سيما حين جعلت تحيط بدار الإسلام الغوائل، وأشرعت الصليبية إليها الأسنة من رومها وروسها وفرنجتها وصقالبها وبغارها وأصناف من عددهم أبو الطيب في شعره كقوله:
وكيف ترجى الروم والروس هدمها ... وذا الطعن أساس لها ودعائم
وقوله: يجمع الروم والصقالب والبلـ ... ـغار فيها وتجمع الآجالا
وتوافيهم بهم في القنا الصمـ ... ـم كما وافت، العطاش الصلالا
وسددت التتار إليها سهامها، وخيف عليها كل الخوف من الاجتياح.
في معركة بغداد سنة ٦٥٦ هـ وهي التي كانت القاضية على دولة بني العباس، سقط بقريته صرصر وهي من سواد بغداد شهيدًا مقبلًا غير مدبر على ما كان من ضرره