فإن قبلت ونالتني مراحم قد ... نالته لم يبق لي من بعدها سول
وإن كعبا علينا إذ غدا سببا ... لكعب خير بيمن الله مشمول
ولبرهان الدين القيراطي رحمه الله (توفي سنة ٧٨١ هـ) لامية كعبية الروي نظمها نظم علماء الفقه سنة ٧٦٤ هـ يقضي بها حق ما علمه الله بجهد منه يلتمس به الأجر ويكون فيه زكاة له، أولها:
جرح الجفون بقذف الدمع تعديل ... والحب شاهده المجروح مقبول
تأمل الجرح والتعديل -هاتان عبارتان من اصطلاح أهل الحديث. ثم القذف والقاذف لا تقبل شهادته لكن الجفون إذا قذفت الدمع فجرحها قذفه حتى صارت تبكي دمًا فذلك لها تعدل - وآخر هذا الاجتهاد الفقيرين الوقيري بعد أبيات زدن على مائة ما يدل على أن الشيخ الصالح لم يكن الشعر له فنًا ولكنما اقتحم طريقه يرجو به لنفسه صلاحًا بمديح رسول الله صلى الله عليه وسلم -قال:
يا سيد الرسل قد قدمت من كلمي ... مدحا محياه من ذكراك مصقول
صيرت لفظي لألفاظ الورى ملكا ... لتاجه بلآلي الزهر تكليل
لا يريد هنا افتخارًا على الشعراء بأن لفظه كالملك بين ألفاظهم فالشيخ رحمه الله أوقر نفسًا وأكرم تواضعًا من ذلك. يقول كلفت لفظي أن يصير ملكًا على هذه الألفاظ التي يستعملها الناس فينظمها فتكون له تاجًا من لآلئ النجوم الزهر - بضم الزاي وسكون الهاء- وأخذ المعنى من قول الآخر:
ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها ... عقود مدح فيها أرضى لكم كلمى
إن كان أخذه.
بكم هديت سبيلًا للمديح لكم ... أمسي امرؤ القيس عنه وهو ضليل
أي ضل عنه امرؤ القيس بشعر قاله في الباطل وحمل به لواء الشعراء إلى النار - قالوا وكان يكثر من وأد البنات خوفًا من العار إذ كان محاربًا محاربًا فعل هذا هو سبب ترديه في النار والله أعلم وعل هذا من شنع صنيعه يصحح أن البيتين:
فقد اختلس الطعنة لا يدمي لها نصلي
كجيب الدفنس الورهاء ريعت وهي تستفلي
له لا لامرئ القيس الكندي الآخر - (ابن عابس) لما فيهما من الدلالة الخفية أن هذه الدفنس هي الموؤودة.