لما غفرت له ذنبًا وصنت دما ... لولا ذمامك أضحى وهو مطلول
رجوت غفران ذنب موجب تلفي ... له من النفس إملاء وتسويل
وليس غيرك لي مولى أؤمله .... بعد الإله وحسبي منك تأميل
ولي فؤاد محب ليس يقنعه ... غير اللقاء ولا يشفيه تعلل
فهذا شاهد قولنا إنه ذكر فضل كعب باللقاء صريحًا
متى تجوب رسول الله نحوك بي ... تلك الجبال نجيبات مراسيل
فأنثني ويدي بالفوز ظافرة ... وثوب ذنبي من الآثام مغسول
أما قوله رحمه الله «لم أنتحلها» فقد نبه به على اختلاف الوجه الذي سلكه في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وجه قصيدة كعب وإن تشابها في حسن الثناء عليه وطلب العفو من عنده صلى الله عليه وسلم. وقد جعل البوصيري مكان النسيب في أول قصيدته طلب سبيل التوبة والاعتراف بالندم على ما فرط فيه:
إلى متى أنت باللذات مشغول ... وأنت عن كل ما قدمت مسئول
في كل يوم ترجي أن تتوب غدًا ... وعقد عزمك بالتسويف محلول
ومما يعجب في مطلع هذه القصيدة قوله:
فجرد العزم إن الموت صارمه ... مجرد بيد الآمال مسلول
واقطع حبال الأماني التي اتصلت ... فإنها حبلها بالزور موصول
هذا كقول كعب «إن الأماني والأحلام تضليل»
أنفقت عمرك في مال تحصله ... وما على غير إثم منك تحصيل
ورحت تعمر دارًا لإبقاء لها ... وأنت عنها وإن عمرت منقول
جاء النذير فشمر للمسير بلا ... مهل فليس مع الإنذار تمهيل
وصن مشيبك عن فعل تشان به ... فكل ذي صبوة بالشيب معذول
لا تنكرنه ففي الفودين قد طلعت ... منه الثريا وفوق الرأس إكليل
والثريا والإكليل كلاهما كما تعلم من نجوم السماء ثم أخذ البوصيري في طريق هو خريته ولنا إلى ذلك أوبة إن شاء الله تعالى.
وقال ابن جابر الأندلسي الضرير:
وقد أتيت بضعفي ما أتاك به ... كعب على أن باعي ماله طول
هذا يقتدي فيه بيحيى الصرصري