غفرت له وحقنت دمه ففاز بمكانة الصاحب فهو لي بذلك قدوة وحسبي شافعًا أني أرمي إلى غرض غرضه وهو صدق المدح فيك والتماس العفو من الله بجاهك:
ها حلة بخلال منك قد رقمت ... ما في محاسنها للعيب تخليل
جاءت بحبي وتصديقي إليك وما ... حبي مشوب ولا التصديق مدخول
ألبستها منك حسنا فازدهت شرفا ... بها الخواطر منا والمناويل
فتح التاء من ألبستها أجود وأشبه بمعنى البيت إذ منه الخواطر والمناويل (جمع منوال) التي تم بها نسج القصيد وقد لبست حسنًا من مدح الرسول صلى الله عليه وسلم فالنية هي التي أكسبت خواطره وملكته الشرف الذي ازدهاها فازدهت به - وهذا المعنى ينظر إلى قول الصرصري
حبرت فيك قصيدًا حسن مدحك في ... رؤوس أبياتها الحسنى أكاليل
والتشابه في أن مدحه صلى الله عليه وسلم هو المستمد منه الحسن ثم يقول البوصيري، وهذا يقوي به معنى صدق حبه:
لم أنتحلها ولم أغصب معانيها ... وغير مدحك مغصوب ومنحول
وما على قول كعب أن توازنه ... فربما وازن الدر المثاقيل
أي المثقال وزن بعينه وليست موازنته لمقدار من الدر بجاعلته مماثلًا له في القيمة والحسن - وقد فسر مراده من بعد أن تقصيره عن كعب ليس في صدق المدح وجودته ولكن عند كعب من الجزالة والفصاحة والأصالة في ذلك ما ليس عنده:
وهل تعادله حسنًا ومنطقها ... عن منطق العرب العرباء معدول
وليس المولد مهما يسم قدره في هذا المدى ببالغ مبلغ العربي.
وما غاب عن الإمام شرف الدين فضل كعب بالصحبة والمشافهة والإنشاد، فهذا على أنه ضمنه معن عروبته الأصيلة وأنه نال العفو بما قال من رسول الله صلى الله عليه وسلم عفوًا مباشرًا عن لقاء، قد ذكره صريحًا من بعد، ولم يفصل فيه تفصيل الصرصري لما أغنى به هذا بوضوحه فيه عن كل مزيد -رحمهما الله الرحمة الواسعة.
ثم يقول البوصيري:
وحيث كنا معًا نرمي إلى غرض ... فحبذا ناضل منا ومنضول
الناضل كعب وهو المنضول كما تقدم من قوله:
إن أقف آثاره إني الغداة بها ... على طريق نجاح منك مدلول