للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا نريد بعد أن نستقصي ذكر كعب في ما جوريت به لاميته المباركة. غير أنه عسى ألا نغفل في هذا الباب -باب مجاراة الفقهاء ومشايخ اللغة لكعب رضي الله عنه- عن لاميات الزمخشري وأبي حيان الأندلسي وصاحب القاموس مجد الدين الفيروز أبادى. وثلاثتهم لم يشيروا إلى كعب اكتفاء بظهور ذلك من ركوبهم بحره ورويه أما الزمخشري فمطلع كلمته:

أضاء لي باللوى والقلب متبول ... نجدي برق بنار الحب موصول

ولم يسلم في أولها رحمه الله من جهد عمل واستقام له الروي في آخرها، لإفصاحه عما تضمنه فؤاده من حماسة وغضب للحق -قال:

يا خاتم الرسل إن الطول منك على ... راجي الشفاعة يوم الحشر مأمول

فهل يجيب فتى لا حبل ذمته ... واه ولا عقده في الصدق محلول

ولا اشتكت دخلا منه مناصحة ... ولا مناصح إلا وهو مدخول

فهذا تعريض بالخصوم كما ترى.

ثم مضى غاضبًا على سبيل التعريض وشكوى الخصوم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم:

ما مست الكأس يمناه ولا صدمت ... فاه وكلهم بالراح معلول

والعرض ريط يمان في الصوان وإن ... تملك يداه مصونًا فهو مبذول

قوله والعرض ريط يمان عبارة فصيحة ومعها صدق يصل إلى القلب يبئ به عن حال نفسه في العفاف.

ثم يقول:

وإن يل العمل المسخوط آونة ... فبينما العمل المرضي معمول

وعجيب ممن يلتمس الشفاعة أن يعتذر بهذا الاعتذار الذي تخالطه أرواح اعتزاز عما بدر منه من الذنوب. ولا يخفى أنه يضمن قوله هذا نوعًا من الإشارة إلى قوله تعالى: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيئًا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم} [التوبة] وقوله تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين} [هود].

<<  <  ج: ص:  >  >>