ومكان الاعتزاز أنه جعل ذلك له حقًا. وكان أشبه بما هو بسبيله من التعبد بالمديح النبوي أن لو غلب التواضع والتسليم لله، والتعويل كل التعويل على تأميل النجاة من طريق الشفاعة، لا من طريق أن ما عمله من مسخوط سيمحوه أن ذلك قد وقع منه «بينما العمل المرضي معمول». وإنما يذهب العمل المرضي بالعمل المسخوط إن صحبة القبول من المولى تعالى وصحب هذا العفو. وعل قوله «المرضي» يحتمل شيئًا من الدلالة على القبول والله تعالى أعلم.
وطاء أعقاب قوم ما لهم عمل ... في نصرة الدين والإسلام مجهول
لهم ضمائر للتفكير قارعة ... وألسن كلها بالذكر مشغول
عنى بهؤلاء المعتزلة أنهم أهل فكر في خلق السماوات والأرض. وأنهم أهل ذكر بما أتقنوا من أبواب علوم الكلام. وأصل هذه المعاني من الجاحظ أن المعتزلة كانوا هم الحارسين للدين الذابين عنه بما انتضوا دونه من سيوف حجة الكلام.
موحدون إلاهًا أنت صفوته ... مصدقوك فلا غالتهم غول
يشير إلى مقالة المعتزلة أنهم أهل العدل والتوحيد. وقوله «أنت صفوته» رجع فيه إلى مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم ولا يخلو في هذه الالتفاتة من إدلالة بتوحيده مخالطها حب لنبيه صلى الله عليه وسلم. وله في ذلك صوت بالصدق الصارح جهير، جهارة جانب الخطابة والمقولة العقلية أقوى فيها من جانب الحرارة الشعرية. وقوله. «فلا غالتهم غول» من قول عبدة بن الطبيب:
إن التي ضربت بيتا مهاجرة ... بكوفة الجند غالت ودها غول
ولا يصلح «غالتهم غول» في الموضع الذي وضعها فيه الزمخشري كصلاح «غالت ودها غول» ههنا -على ما احتال به الزمخشري من مذهب الدعاء وما عناه من الإشارة والتضمين.
أم لا يخلو رحمه الله في مجيئه بقوله:«فلا غالتهم غول» -بما فيه من دعاء وإشارة وتضمين- ههنا من نوع اعتذار عن هذا الاعتزاز بالاعتزال والدفاع عن الفرقة القائلة به؟ وكأنه ههنا يلتفت من خطاب النبي صلى الله عليه وسلم والتقرب إليه، إلى هذا الاعتذار ذي الاعتزاز والافتخار معًا، ذي المظهر المتحدي بالاعتزال لسائر من حوله من أهل السنة، المتراجع، أو كالمتراجع عن التحدي بهذا الدعاء: