للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما صاحب القاموس مجد الدين الفيروز آبادي (١) فقد كان من معرفة غريب اللغة لدى ذروة شاهقة إلا أنه كان عظيم الثقة بما يقول كثير التعقب للجوهري وقد لهج بنقد صاحب الصحاح لهجًا، والعلماء مجمعون على تقديم الصحاح على سائر ما صنف بعده من المعاجم، والقاموس من أنفس المراجع وأخصرها وأوضحها وأكثرها فوائد وغناء.

من شواهد عظم ثقة الفيروز أبادي بما يقول مقدمته التي يقول في تحميدها «الحمد الله منطق البلغاء باللغي في البوادي ومودع اللسان ألسن اللسن الهوادي ومخصص عروق القيصوم وغضى القصيم بما لم ينله العبهر والجادي»، ثم بعد سجعات إنما هن كقواف لالتزامه رويًا واحدًا قال في ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم: «باعث النبي الهادي، مفحمًا باللسان الضادي كل مضادي (٢) مخفمًا لا تشينه الهجنة واللكنة والضوادي، محمد خير من حضر النوادي وأفصح من ركب الخوادي (٣) وأبلغ من حلب العوادين (٤)، بسقت دوحة رسالته فظهرت على شوك الكوادي (٥) واستأسدت راض نبوته فعيت في المآسد الليوث العوادين صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه نجوم الدآدي إلخ»

فمما قاله في نسيب القصيدة وأولها:

هل حبل عزة بعد البين موصول ... أو بارق الوصل بين البين مأمول

وهذا كمطلع كلمة عبدة بن الطبيب

هل حبل خولة بعد الهجر موصول ... أم أنت عنها بعيد الدار مشغول

وكأنه يوهم بمجاراتها دون لامية كعب وجاء منها بقوله:

والمرء ساع لأمر ليس يدركه ... والعيش شح وإشفاق وتأميل

ولكنه اقتدى بكعب بلا ريب -إذ جاء له:

إن الصبابة بعد الشيب تضليل


(١) ولد بفارس سنة ٧٢٩ هـ في ربيع الثاني وتوفي باليمن بزبيد في ٢٠ من شوال سنة ٨١٧ أو ٨١٦ هـ.
(٢) مضادي، مخالف
(٣) الخوادي: الإبل من خدى البعير يخدي.
(٤) العوادي: الإبل
(٥) الكوادي هي الكدي أي الأراضي الصلبة. عيت: أعجزت وأعيت. الدآدي الليالي المظلمة وهي ليالي آخر الشهر وهكذا فسرها صاحب القاموس في باب الهمزة مفردها دأدا ودئداء ودؤدؤ بتثليث الدال الأولى وفتح الثانية أو ضمها.

<<  <  ج: ص:  >  >>