هذا وعلى ما كان بين الزمخشري وأبي حيان من شبه، كان بينهما نوع من تنافر، كأن أبا حيان، وزمانه متأخر عن زمان الزمخشري بنيف ومائة سنة، كان يغار من سمعة هذا وما أحرز من منزلة في مراتب أهل اللغة والتفسير والنحو. وقد تتبعه في مواضع مما جسر به كتلحينه قراء أبي عمرو بإدغام الراء في اللام، وتخطئته أبا شعيب السوسي في مفصله حيث أدغم الضاد في الشين في آية النور. وما عدا الزمخشري في الذي صنع مذاهب القدماء. ونقد القراءات عند ابن جرير كثير لا يرى بأسًا في أن يصرح باستحسان ما يستحسن منها وكراهية ما لا يستحسن. وغلب على المتأخرين اتباع سبعة ابن مجاهد والثلاثة المكملين العشرة. ولأبي حيان تسليم ورع في هذا الباب. وعنده رحمه الله من بركة أهل السنة وانكساره تواضعهم. اختلاط ذلك بما لعلماء اللغة والنحو من شراسة تباه أحيانًا كثيرة من العجب. ثم كانت لأبي حيان جمحات شاعر ربما خرجت به من طريق التعبد بالمدح النبوي إلى المألوف من أساليب الشعراء في الوصف والنسيب - قال مثلًا في أوائل القصيدة:
لا تعذلاه فما ذو الحب معذول ... العقل مختبل والقلب متبول
هزت له أسمرًا من خوط قامتها ... فما انثنى الصب إلا وهو مقتول
جميلة فصل الحسن البديع لها ... فكم لها جمل منه وتفصيل