للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت عينية ابن زريق كأنما نظمت بالأندلس (١) وقول أبي حيان: «فما ذو الحب معذول» ضعيف جدًا. إذ أكثر ما يعذل أهل الحب -ولله در البوصيري إذ يقول:

يا لائمي في الهوى العذري معذرة ... مني إليك ولو أنصفت لم تلم

وقول ابن زريق «فإن العذل يولعه» تتمة حسنة لما بدأ به. ومما يعجب من عينيته، وكلها معجب، مقالته هذه الحزينة جدًا في أولها:

جاوزت في نصحه حدًا أضر به ... من حيث قدرت أن العذل ينفعه

فاستعملي الرفق في تأنيبه بدلا ... من عنفه فهو مضنى القلب موجعه

قد كان مضطلعًا بالخطب يحمله ... فضلعت بخطوب البين أضلعه

يكفيه من روعة التفنيد أن له ... من النوى كل يوم ما يروعه

ما آب من سفر إلا وأزعجه ... عزم إلى سفر بالرغم يزمعه

تأبى المطالب إلا أن تكلفه ... للرزق سعيا ولكن ليس يجمعه

كأنما هو في حل ومرتحل ... موكل بفضاء الله يذرعه

وما مجاهدة الإنسان واصلة ... رزقًا ولا دعة الإنسان تقطعه

قد قسم الله بين الناس رزقهم ... لم يخلق الله مخلوقًا يضيعه

لكنهم كلفوا حرصًا فلست ترى ... مسترزقًا ومدى الغايات يقنعه

والحرص في الرزق -والأرزاق قد قسمت ... ــ بغي ألا إن بغي المرء يصرعه

والدهر يعطي الفتى من حيث يمنعه ... عفوًا ويمنعه من حيث يطعمه

أستودع الله في بغداد لي قمرًا بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه

وكان موضع ذكر هذه الأبيات في مكان مما تقدم أو مكان أنسب مما يلي وعسى أن يكون موقعها ههنا بين أشعار هؤلاء العلماء، قبل أن نصير إلى حاق شعر المديح النبوي عند مجيديه، مما يستراح إليه، عملًا بمذهب أمير الأدباء وشيخ أهل التأليف أبي عثمان رحمه الله.


(١) وإنما نظمت ببغداد وألحقت بها أسطورة أندلسية وأحسبها في طبقات السبكى بسند قوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>