يحسن إلا في أبيات معدودة. وكأن بشارًا كان خاتمة أصحاب الهمزيات الجياد من الشعراء المحدثين المعروفين، ومن أجل هذا زعم المعري أن الهمزة طريق منكوب غير أن عجز فحول المحدثين أن يجيدوا في هذا المضمار إجادة الحرث اليشكري وابن قيس الرقيات وبشار، لم يقف الشعراء كلهم عن المحاولة ولا سيما المتأخرون منهم، فقد أكثروا من الهمزة في الخفيف، ونجم من بينهم الإمام شرف الدين أبو عبد الله محمد ابن سعيد البوصيري (المتوفي سنة ٦٩٤ هـ) فنظم مطولته في مدح النبي (١) - صلى الله عليه وسلم -:
كيف ترقى رقيك الأنبياء ... يا سماء ماطاولتها سماء
فجاء بها سليمة النظم في جملتها، حسنة اللفظ، وأبدع في مواضع منها إبداعًا بينًا كقوله يصف مولد النبي - صلى الله عليه وسلم -:
ليلة المولد الذي كان للدين سرور بيومه وإزدهاء
وتوالت بشرى الهواتف أن قد ... ولد المصطفى وتم الهناء
مولد كان منه في طالع الكفر وبال عليهم ووباء
فهنيئًا به لآمنة الفضل الذي شرفت به حواء
ومنها في مبدأ أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعجزاته:
ثم قام النبي يدعو إلى الله وللكفر نجدة وإباء
أممًا أشربت قلوبهم الكفر، فداء الضلال فيهم عياء
رب إن الهدى هداك وآيا ... تك نور تهدي به من تشاء
قد رأينا ما ليس يعقل قد ألهم ما ليس يلهم العقلاء
إذ أبى الفيل ما أتى صاحب الفيل وما ينفع الذكي الذكاء
والجمادات أفصحت بالذي أخرس عنه لأحمد الفصحاء
(١) متن الهمزية (طبعة المكتبة التجارية لمصطفى محمد)