للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يرفع المصحف كالدفوف ... والسلم لا تذكر في الصفوف

انظر إليه هنا كيف حمي وتشيع، وفي الهمزية كيف برد وتعثر. وقد أتي شوقي من جهة عقله وثقافته وبيئته، فقد كان يحسب الإشادة بتأريخ مصر عن طريق النظم دينًا عليه واجبًا قضاؤه، وفرضًا لازمًا

أداؤه. وقد أعماه هذا الضلال والتمذهب الفكري عما في خويصة نفسه من حب مصر المسلمة حامية الإسلام. لا الوثنية بانية الأهرام، وهمزيته الطويلة هذه شاهد عدل على أن الشاعر إذا جرى على غير طبيعته زل وانكب، وما لقى ما أحب. إذ ليس فيها على طولها إلا رتابة تتبع رتابة، وقواف مفتعلة افتعالًا كأنما اقتنصها صاحبها من القاموس، وعنت شبيه بالعنت الذي في لا مية الأفعال، ولا تجد فيها مما يستحق الاستحسان إلا نتفا كقوله في أولها:

لجة عند لجة عند أخرى ... كهضاب ماجت بها البيداء

نازلات في سيرها صاعدات ... كالهوادي يهزهن الحداء (١)

رب إن شئت فالفضاء مضيق ... وإذا شيئت فالمضيق فضاء

فاجعل البحر عصمة وابعث الرحمة فيها الرياح والأنواء

أنت أنس لنا إذا بعد الأنس وأنت الحياء إذ لا حياء

يتولى البحار مهما ادلهمت ... منك في كل جانب لألاء

وإذا ما علت فذاك قيام ... وإذا ما رغت فذاك دعاء

فإذا راعها جلالك خرت ... هيبة فهي والبساط سواء (٢)

وهذا كأنما قاله وهو خائف من هيجان البحر وغطامطه المتلاطم، وكأنما لجأ إلى الله- كما لجأ البوصيري عند مرضه - ليستنقذه من دوار البحر وسقمه.


(١) الهوادي: الأعناق: شبه اللجج بأعناق الإبل في الصحراء، وهذا عكس لكلام كثير: "وسالت بأعناق المطي الأباطح".
(٢) البساط: الأرض المبسوطة.

<<  <  ج: ص:  >  >>