هذا وإنما استشهدنا بالحديث في وجوه روايته الثلاثة كما في المسند في هذا الموضع للتنبيه على أن البوصيري في ربطه بين البشارة وبين «لك ذات العلوم من عالم الغيب» إنما نظر إلى ما في هذا الحديث من قوله «وسأنبئكم بتأويل ذلك» والله تعالى أعلم.
تتباهي بك العصور وتسمو ... بك علياء بعدها علياء
وبدا للوجود منك كريم ... من كريم آباؤه كرماء
أي بدا بعد أن كان في عالم الغيب، في أم الكتاب، وفي علم الله سبحانه وتعالي، وكما قال عز وجل:{الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل} وكما قال تعالي: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا} فهذا كله من عالم الغيب والله أعلم.
نسب تحسب العلا بحلاه ... قلدتها نجومها الجوزاء
وذلك أن نجوم الجوزاء كأنها وشاح. وزعم قوم أن أمرئ القيس إنها عني الجوزاء حيث قال:«إذ ما الثريا في السماء تعرضت»، والثريا لا تتعرض وليست كالوشاح المفصل وأن هذه صفة الجوزاء والبيت من إحسان أمرئ القيس.
حبذا عقد سؤدد وفخار ... أنت فيه اليتيمة العصاء
واليتيمة والعصاء من صفة الدر وفيها إلماع إلى يتمه صلى الله عليه وسلم وإلى عصمته صلى الله عليه وسلم. ثم تجيء أبيات المولد ومناسبتها لقوله «بدا للوجود» بعد «عالم الغيب»، ومناسبتها أيضًا للنسب في قوله «نسب تحسب العلا».
ومحيا كالشمس منك مضيء ... أسفرت عنه ليلة غراء
هذا من النظم الذي لا يتأتى إلا بتوفيق وإلهام. ونعت محياه عليه الصلاة والسلام بإشراق الشمس وبهجة ضوئها وارد في الحديث الصحيح، وإذ كان مولده في ليلة أسفرت بوجهه جعلها الشاعر غراء وهي التي يكون فيها البدر المضيء فجمع بين محياه الشمسي الإشراق وليلة مولده التي صارت بذلك غراء بدرية ولا يكون الكلام إلا