هكذا إذ لا توصف الليلة بأنها مشمسة وأحسب أن لو أراد أبو تمام هذا المعنى لجعلها مشمسة بدليل محاولته البديعة أن يجعل النهار مقمرًا حيث قال:
تريا نهارًا مشمسًا قد شابه ... نبت الربا فكأنما هو مقمر
والشيء بالشيء يذكر.
ليلة المولد الذي كان للديـ ... ـن سرور بيومه وازدهاء
وتوالت بشرى الهواتف أن قد ... ولد المصطفى وحق الهناء
وهذا البيت في المذهب القصصي ذروة لما في الذي سبقه من التمهيد ولما يجيء بعده من الالتفات إلى ما حول هذه الذروة من الآفاق كتداعي الإيوان وخمود النار وغيض البحيرة مما ينبئ ببروز الإسلام وانقماع الكفر وزوال دولة الشرك والجاهلية.
ولهذا البيت تخميس حسن:
حيث جبريل في السموات مجد ... يعلن البشر في ولادة أحمد
سمعت أمه ابشرى بمحمد ... وتوالت بشرى الهواتف أن قد
ولد المصطفى وتم الهناء
وحسن هذا التخميس من أن صاحبه ما زاد على محض الترنم، إذ لو عمد إلى زيادة شيء من معنى أو وشي لفظي لفسد بذلك إيقاع الكلام واتساقه. أبشرى أشهر فيه قطع الهمزة من الرباعي من قولك بشرته، فأبشر أي فرح، وجاء به ههنا من الثلاثي فلا يحمل على الضرورة والعجب لشوقي إذ حاكى همزية البوصيري في همت الفلك واحتواها الماء (وقد سبق منا القول في الجزء الأول في باب همزيات الخفيف أنا لا نراها من جيد شعره) فذكر مولد المسيح عليه السلام كأنه يضاهي بذلك صفة البوصيري ليلة مولد رسولنا عليه الصلاة والسلام، وذلك قوله:
ولد الطهر يوم مولد عيسى ... والمروءات إلخ
في أبيات اختارها أحد أصحاب الاختيارات من المسيحيين من شعر شوقي مع كلمة في الصليب الأحمر وجعل الكلمة الثالثة المختارة:
خفت الأذان فما عليك مؤذن ... يدعو ولا الجمع الحسان تقام