أراد هنا تحدي القرآن. وما أراه جمع بين التحدي والمعراج إلا لأن سورة الإسراء فيها مع ذكره أنه أسرى به صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى قوله تعالى:{قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا}.
وهو يدعو إلى الإله وإن شق عليه كفر به وازدراء
يشير بقوله «وازدراء» إلى خبر الطائف إذ أغروا به سفهاءهم.
ويدل الورى على الله بالتو ... حيد وهو المحجة البيضاء
فبما رحمة من الله لانت ... صخرة من إبائهم صماء
من براعة البوصيري فطنته إلى أن نظم آي القرآن جهد يضيع سدى لمكان القرآن من البلاغة في الذروة. فالوجه الإشارة والتضمين فمن ذلك الإشارة إلى قوله تعالى:{فاحتمل السيل زبدًا رابيًا} وإلى قوله تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم} وإلى قوله تعالى: {لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم} فرحمة الله التي ألانت قلبه لهم ألانت قلوبهم فلم ينفضوا، ومن حسن تأتي البوصيري أنه لما نسب تليين رحمة الله إلى قلوبهم جعلها صخرةً صماء فلانت والآية {فبما رحمة من الله لنت لهم} فيها الدلالة على أن الله سبحانه وتعالى فطره برحمته لين الجانب رحيم الفؤاد على خلق عظيم، صلى الله عليه وسلم، ثم ختم البوصيري هذا الفصل بالإشارة إلى النصر وسورة الفتح:
واستجابت له بنصر وفتح ... بعد ذاك الخضراء والغبراء
وأطاعت لأمره العرب العر ... باء والجاهلية الجهلاء
الخضراء والغبراء أي كل مكان والخضراء السماء والغبراء الأرض ولكن المعنى الأول هو المراد إذ الأرب الدلالة على الشمول والعرب العرباء اليمن والجاهلية الجهلاء كل من كان على الشرك من العرب- أي كل العرب. وقد يكون المراد من العرب العرباء تأكيد بمعنى العرب الصرحاء أهل الشكائم.
وذكر العرباء والجهلاء جر إلى ذكر الجهاد والمصابرة والبلاء:
وتوالت للمصطفى الآية الكبـ ... ـرى عليهم والغارة الشعواء
فإذا ما تلا كتابًا من اللـ ... ـه تلته كتيبة خضراء