فتنزه في ذاته ومعانيـ ... ـه استماعًا إن عز منها اجتلاء
وإملأ السمع من محاسن يمليـ ... ـها عليك الإنشاد والإنشاء
وهنا وصف جيد لطريقته في النظم أنه يتغنى به وينشد وينشئ ويصوغ مع ذلك، وهذا منهج الفحول من الشعراء أهل الملكة والتجويد. وكذا روي عن أبي الطيب. وقريب منه عن أبي تمام، وكذلك في خبر الأحوص إذ جعل يروض النغم على اسم موضع واسم رجل هم بهجائه. والذي وصى به ابن طباطبا -وقد مر ذكره- منهج أهل الصناعة والنحت. ورنة الإيقاع جلية في نمط البوصيري ولهذه القصيدة صلاة يفصل بها المنشدون بين فصولها، وإنما ينشدون منها الفصل والفصلين على سبيل الاختيار، لا كلها في المرة الواحدة لطولها، وهي:
صل يا رب ثم سلم على من ... هو للخلق رحمة وشفاء
وطريقة التغني بها متشابهة على ما يكون من اختلاف وجوه النغم والغناء في مختلف أقطار الإسلام.
كل وصف له ابتدأت به استو ... عب أخبار الفضل منه ابتداء
هذا البيت أيضًا فيه تنبيه على طريقته هو رحمه الله في صوغ القريض وقد ذكرنا من قبل أن من الشعراء من يوصد باب القول على نفسه فلا يترك لنفسه عندما يبتدئ ما يدع مجالًا للقول يلي. وكأن البوصيري قد فتح الله عليه فتحًا خاصًا بأن كل ابتداء في مدح الرسول فالصفة التي يذكرها فيه تستوعب كل فصل، ولكنه يستطيع أن يبدأ بدءًا جديدًا، فكل بداية نهاية، لأن كل فضيلة من فضائله صلى الله عليه وسلم شاملة لكل الفضائل، ثم ليس لفضائله حصر، فتأمل هذا الحذق.
سيد ضحكه التبسم والمشـ ... ـي الهوينا ونومه الإغفاء
رحمة كله وحزم وعزم ... ووقار وعصمة وحياء
لا تحل البأساء منه عرى الصبـ ... ـر ولا تستخفه السراء
كرمت نفسه فما يخطر السو ... ء على قلبه ولا الفحشاء