للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا بيت عزيز دقيق المعنى. أي معدن نفسه صلى الله عليه وسلم وجوهرها شريف كريم فهو بطبيعة شرفه وكرمه مناف وناف لكل دنس.

عظمت نعمة الإله عليه ... فاستقلت لذكره العظماء

وذلك أن العرب وهم ما هم قد أحبوه حبًا لم يحبوه أحدًا قبله ولا بعده وما ملك قلوبهم إلا بتلك النعمة التي أنعمها الله سبحانه وتعالى عليه صلى الله عليه وسلم وبه عليهم. ومما يعجبني هذا الخبر الذي نقله صاحب المجموعة (ج- ١ - ٥٦): عن زيد بن أرقم قال خرج عمر رضي الله عنه في خلافته ليلة يحرس فرأى مصباحًا في بيت عجوز تنفش صوفًا وتقول:

على محمد صلاة الأبرار ... صلى عليه الطيبون الأخيار

قد كنت قوامًا بكى بالأسحار ... يا ليت شعري والمنايا أطوار

هل تجمعني وحبيبي الدار

تعني النبي صلى الله عليه وسلم فجلس عمر يبكي ثم قام فسلم عليها وقال لها أعيدي علي قولك فأعادته بصوت حزين فبكى وقال لها: وعمر لا تنسيه (١) يرحمك الله فقالت:

وعمر فاغفر له يا غفار

ورووا في الحديث ما معناه أن عمر رضي الله عنه ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم حبه له أكثر من كل شيء إلا نفسه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما معناه أن لا يستثني نفسه حتى يتم بذلك إيمانه ففعل رضي الله عنه وهو بذلك صادق وهو الصواب لأن المسلم لا يعرف نفسه المطمئنة إلا بمعرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه باب الإيمان بالله ولا يعرفه صلى الله عليه وسلم إلا بحبه إذ الحب باب الإتباع وبإتباعه يكون حب الله للعبد الصالح.

جهلت قومه عليه فأغضى ... وأخو الحلم دأبه الإغضاء

وسع العالمين علمًا وحلمًا ... فهو بحر لم تعيه الأعباء

قوله لم تعيه الأعباء مناسب لذكر البحر ههنا وما أرى إلا أنه أخذ هذا من صورة النيل


(١) أي لا تنسيه أن تجمعه هو أيضًا الدار مع الحبيب صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>