للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعني على برق أراه وميض ... يضيء حبيا في شمارخ بيض (١)

وفي غيرها مما يستجاد كما في قول الحماسي:

وإني لأستغني فما أبطر الغنى ... وأبذل ميسوري على مبتغى قرضي

وأحسب أن أول خفيفة طويلة ذات بال نظمت فيها هي كلمة الطرماح:

طال في شط نهروان اغتماضي ... واعتراني هوى العيون المراض

ويبدو لي أنه كان ينظر فيها بعين المباراة إلى ضادية امريء القيس. ذلك بأن الطرماح كان معلمًا مولعًا بالغريب واتباع القدماء وتكلف الجزالة الجاهلية، فلا يستبعد أن يكون أراد بركوب الضاد إظهار مقدرته وبراعته وتبريزه، وأن يبهر الناس بكلام فصيح لا يجدون مثله عند الفردزق وجرير وشعراء الحجاز وغيرهم. وقد كان يشبه الطرماح في هذا المذهب ذو الرمة والكميت والعجاج وابنه.

على أن الطرماح كان في ذات نفسه شاعرًا فحلًا، واتفق له مع شغفه بالغريب والقديم النادر روح حضري فيه نعومة لا تجدها مثلا عند العجاج أو رؤبة، كلا ولا عند ذي الرمة مع رقته وتقدمه في الشعر وأصالته في الجزالة، واقتداره على اتباع مذاهب الجاهلية، من غير عنت أو تكلف. ومن أجل هذا فقد جاءت ضاديته فصيحة بارعة، وجمالها في نصوع ألفاظها وحسن تنسيقها وجلجلة جرسها - تأمل قوله مثلا (٢):

لا تأيا ذكرى بلهنية العيـ ... ـش وأني ذكرى السنين المواضي


(١) مختارات الشعر الجاهلي ٤٧.
(٢) في آخر جمهرة الأشعار. ماء الكراض: ماء الفحل، والسبنتاة: هي الناقة القوية. ويروى مكان "لا تأيا": "لات هنا". وهذه رواية النحويين ونحوه:
لات هنا ذكرى جبيرة أو من ... جاء منها بطائف الأحوال

<<  <  ج: ص:  >  >>