وقد ترى أن ابن رشيق فطن إلى أنه قد يكون لعد عن ذا ودع ذا وما أشبه اتصال بما قبله، وما سماه التخلص هو نص في معنى اتحاد القصيدة وتشابك أجزائها كما تقدم ذكره أول شيء. وقوله وكانت العرب لا تذهب هذا المذهب، عنى به الإلمام والخروج والنفي ما أحسبه إلا قد أراد به التقليل إذ قد مر بنا قول حسان:
إن كنت اذبة الذي حدثتني ... فنجوت منجي الحارث بن هشام
ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرة ولجام
وقد اتبع أبو الطيب طريقة حسان حذوك النعل بالنعل حيث قال:
ولو كنت في أسر غير الهوى ... ضمنت ضمان أبي وائل
فدى نفسه بضمان النضار ... وأعطى صدور القنا الذابل
وصدق ابن رشيق إن أبا الطيب كان يكثر من هذا الضرب الذي صار يسمى حسن التخلص وأولى به اسم الخروج كقوله:
يودعننا والبين فينا كأنه ... قنا ابن أبي الهيجاء في قلب فيلق
قواضم واض نسج داود عندها ... إذا دخلت فيه كنسج الخدرنق
أي العنكبوت.
وكصنيع أبي تمام في ظلمتك ظالمة البريء ظلوم صنع في:
أقبلتها غرر الجياد كأنها ... أيدي بني عمران في جبهاتها
ثم قال:
سقيت منابتها التي سقت الورى ... بندي أبي أيوب خير نباتها
ووقف أبو منصور الثعالبي عند هذه التائية وقفة طيبة، وكان بشعر أبي الطيب عارفًا وله محبًا وللشعر ذواقة وناقدًا وقد بينا ما نراه من تقديمه في باب النقد وإنكار من زعم أنه سطحي في كتابنا (مع أبي الطيب) وفي كتابنا (التماسه عزاء) وليس لعمري بسطحي من كتب الفصول التي كتب عن أبي الطيب والبديع والشريف الرضي وأبي فراس وأصحاب الصاحب، وهذا باب واسع ليس هنا مكانه.
ومن اساءات أبي الطيب في مسلكه سبيل حسن التخلص فصاربه إلى نوع من الإحالة: