الأول» إلى آخر ما قاله مما تقدم ذكره في أول هذا الجزء حيث استشهد بشيء من عينية النابغة. ثم قال:«ثم اطرد له ما شاء من تخلص إلى تخلص حتى انقضت القصيدة، وهو مع ما أشرت إليه غير خاف إن شاء الله تعالى.
«وقد يقع من هذا النوع شيء يعترض في وسط النسيب من مدح من يريد الشاعر مدحه بتلك القصيدة، ثم يعود بعد ذلك إلى ما كان فيه من النسيب، ثم يرجع إلى مدح كما فعل أبو تمام وإن أتى بمدحه الذي تمادى فيه منقطعًا، وذلك قوله في وسط النسيب من قصيدة له مشهورة:
ظلمتك ظالمة البريء ظلوم ... والظلم من ذي قدرة مذموم
زعمت هواك عفا الغداة كما عفت ... منها طلول باللوي ورسوم
لا والذي هو عالم أن النوى ... أجل وأن أبا الحسين كريم
ما زلت عن سنن الوداد ولا غدت ... نفسي على إلف سواك تحرم
ثم قال بعد ذلك:
لمحمد بن الهيثم بن شبابه ... مجد إلى جنب السماك مقيم
ويسمى هذا النوع الإلمام
وكانت العرب لا تذهب هذا المذهب في الخروج إلى المدح، بل يقولون عند فراغهم من نعت الإبل وذكر القفار وما هم بسبيله «دع ذا» و «عد عن ذا» ويأخذون فيما يريدون أو يأتون بإن المشددة ابتداء للكلام الذي يقصدونه. فإذا لم يكن خروج الشاعر إلى المدح متصلًا بما قبله ولا منفصلًا بقوله «دع ذا» و «عد عن ذا» ونحو ذلك سمى طفرًا وانقطاعًا وكان البحتري كثيرًا ما يأتي به، نحو قوله:
لولا الرجاء لمت من ألم الهوى ... لكن قلبي بالرجاء موكل
إن الرعية لم تزل في سيرة ... عمرية مذ ساسها المتوكل
ولربما قالوا بعد صفة الناقة والمفازة «إلى فلان قصدت» و «حتى نزلت بفناء فلان» وما شاكل ذلك» أ. هـ.
كما اهتم ابن قتيبة بقصيدة المدح كذلك اهتم ابن رشيق، وقد بسطنا القول في أهمية قصيدة المدح حتى كسدت سوقه وكان كسادها ببلاد المغرب والأندلس متأخرًا في الزمان عما أصابها بالمشرق.