للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو تسألاني كما جاء في النص الذي أوردناه أي تسألانني وحذف النون لغة وعليه قراءة نافع في بعض ما قرأ به ورواية الكتاب في باب الهمز «سالتاني» ونبه على أنه من تخفيف الهمزة وهي لغة قريش لا على لغة من قال سال يسال كخاف يخاف قال رحمه الله «وبلغنا أن سلت (١) تسال لغة» وفي خبر ابن هرمة أنه لما قيل له إن قريشًا لا تهمز قال إنه يجيء بقصيدة كلها على الهمز وذلك قوله:

إن سليمي والله يكلؤها ... ضنت بشيء ما كان يرزؤها

فهذا يلحق بما تقدم ذكره من صناعة ابن هرمة وبديعه وأن البديع والصناعة ديدن في العربية قديم لا من حيث وقوع ذلك على قلة وعفوًا فحسب ولكن من حيث العمد والقصد إليه أيضًا.

وننبه هنا كما نبهنا من قبل على أن سامعي الشعر القديم على زمانه وعلى أزمان قرون الإسلام الأولى كانوا يعملوا كثيرًا مما نجهله نحن علم قلب جليًا لا يحتاج إلى بسط وتفسير فكان بيان مغامض اللفظ والمعنى أكثر ما يهتمون به ثم بعد ذلك لا يخفى عليهم مذهب الوحدة والجودة في أغراضه ومقاصده وألوان إيحائه ودلالات موسيقاه وربات لفظه وطبيعة أسره وأنواع الديباجة وما يلحق بذلك مما يوصف بأنه ماء الشعر ورونقه.

على أننا قد بقيت فينا بقية من ذلك العلم القلبي فعلينا ألا نضيعها. بعض هذه البقية في الدارجة الأصلية التي لم تفسدها بعد شوائب أجهزة الإعلام- وإن شئت فقل الإجهال العصري، التي مما تدخل بتلفيقاتها ودخيلها أصنافًا من اللين والهجنة على أصالتها ومتانة أسرها. وسائر هذه البقية في القرآن وعلوم العربية وميراث آدابها.

واعلم أيها القارئ الكريم أصلحك الله أن القصائد السبع الطوال المعلقات وملحقاتها الثلاث اللاتي يكملنها عشرًا قد ضمن أهم أصول أشكال القصيد العربي والفروع الكبر المتفرعة عنهن وسائر الشعر بعد ذلك يمكن رده إلى هذه وقد سبقت منا الإشارة إلى ذلك، ونقصد ههنا إلى بعض التفصيل.

في السبع شكلان كل منهما أصل، «قفا نبك» وقد أجمعوا على تقديمها وعلى أن الشعراء تأثروا مذهب صاحبها في كثير مما نظموه، وكلمتا عمرو بن كلثوم والحارث اليشكري. وقد قيل في كلمة عمرو بن كلثوم:

ألهي بني تغلب عن كل مكرمة ... قصيدة قالها عمرو بن كلثوم

يفاخرون بها مذ كان أولهم ... يا للرجال لشعر غير مسئوم


(١) بكسر السين من سلت بوزن خفت وليست لغة قريش.

<<  <  ج: ص:  >  >>