للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال القطامي:

يا ناق سيري عنقا زورا ... وقلبي منسمك المغبرا (١)

فسوف تلقين جوادا حرا ... سيد قيس زفر الأغرا

ذاك الذي بايع ثم برا ... وكان في الحرب شهابًا مرا

وقال عبد الله بن همام يهنيء أحد الخلفاء:

الله أعطاك التي لا فوقها ... وقد أراد الملحدون عوقها

عنك ويأبي الله إلا سوقها ... إليك حتى قلدوك طوقها

وقطع الرجز لا تكاد تحصى، ولا يكاد يخلو منها كتاب من كتب السير والأخبار وقد كان دأب العرب فيه القطع القصار، حتى جاء الإسلام فجعلوا يسلكون به مسلك التطويل. والسبب في ذلك عندي أنهم احتاجوا إليه في القصص الشعبي وأخبار الفتوح. ويخبرنا الرواة أن أول من طوله الأغلب العجلي، وهو من المخضرمين. وهذا خبر لا نستطيع أن نجزم بصحته. ولعل مصدره أن الأغلب العجلي اشتهر بالرجز دون القصيد وأن أكثر أرجازه كانت من الهجاء المراد به السيرورة.

وقد استفحل أمر الرجز عندما استقر العهد الأموي. وظهرت طبقة من الشعراء اشتهروا باسم الرجاز. وكان أكثر هؤلاء, كما يستدل من الأخبار، وكتب الأدب، بالعراق، والحاجة كانت ماسة هنالك إلى أنواع الشعر التي تلقى على البديهة أو الارتجال في مقام الرد والمنافرة والمفاخرة. ومصداق ذلك ما تجده من كثرة الرجز في شعر جرير على أن الذوق العام كان يفضل القصيد على الرجز لاتساع مجال القول فيه، ولأبهته وجلاله؛ ولذلك كان الراجز دون منزلة الشاعر. ولا ريب أن هذا قد أدى إلى شعور بالنقص بين الرجاز جعلهم يحاولون أن يبذوا أصحاب القصيد بأن


(١) العنق من سير الإبل: الشديد، وفيه ازورار وعنجهية.

<<  <  ج: ص:  >  >>