للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينظموا الرجز في أغراض القصيد، ولجوا في ذلك أيما لجاج، فاتخذوا القصائد الجاهلية والمخضرمة -كمنظومات لبيد والشماخ- نموذجًا يحذونه. وأعانهم على هذا اللجاج ما نفق بين طوائف أهل الأدب ولا سيما النحاة من حب الغريب. فكان الرجاز يمدون هؤلاء العلماء والنحويين بضالتهم من الألفاظ النادرة والتراكيب الغريبة، وربما تزيدوا واخترعوا. وقد سمى العجاج، أو ابنه، نفسه في بعض أراجيزه نحويًا. فهذا يقوي ما نزعمه.

والذين ثبت لهم السبق في الرجز من الإسلاميين الأوائل أبو النجم العجلي وذو الرمة والعجاج ورؤبة. أما العجاج ورؤبة فعندي أنهما خرجا بالرجز عما أريد له من الخفة والترنم، لأنهما التزما فيه الإطالة المملة مع تعمد للقوافي الصعبة، واستكثار من الأوابد اللفظية، ولم يخرجا في كل ما نظماه عن محاكاة الشماخ ولبيد وليس في نظمهما الكثير ما يستحق الحفظ، اللهم إلا من حيث الفائدة اللغوية إلا قافية رؤبة:

وقاتم الأعماق خاوية المخترق

فقد أحسن فيها كل الإحسان في صفة الحمار الوحشي - ولعل سر إحسانه أنه ذهب مذهب الحداء المطلق، واهتم بجرس الألفاظ، حتى لتكاد تسمع حركة الحمار ونهيقه منها، تأمل قوله:

حشرج في الجوف سحيلا وشهق

حتى يقال ناهق وما نهق

وقوله في الحمار:

إذا تتلاهن صلصال الصعق

يرمي الجلاميد بجلمود مدق

أي يصيب حجارة الصحاري بحافر له هو نفسه كالجلمود. وقد أعجب أبو

<<  <  ج: ص:  >  >>