ومن غرض الوصايا أو مدانية لذلك.
في معلقة طرفة ذكر الموت ومعاني الرثاء مصرحا بهن في قوله:
إذا مت فاتبعيني بما أنا أهله ... وشقي علي الحبيب يابنة معبد
ولا تجعلني كامرئ ليس همه ... كهمي ولا يغني غنائي ومشهدي
بطيء عن الجلى سريع إلى الخنى ... ذلول بإجماع الرجال مهلد
وله كما تعلم أبيات في الموت تجرى مجرى عظات الرثاء
أرى قبر نحام بخيل بماله ... كقبر غوى في البطالة مفسد
ترى جثوتين من تراب عليهما ... صفائح صم من صفيح منصد
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفى ... عقيلة مال الفاحش المتشدد
أرى العيش كنزا ناقصا كل ليلة ... وما تنقص الأيام والدهر ينفذ
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى ... لكالطول المرخي وثنياه باليد
وفي كلمة عبيد عظات تجري هذا المجرى، وقد ختمها بافتراس العقاب الثعلب ومع أن هذا جاء به على مذهب الشعراء في تشبيه فرسه بالعقاب، روحه في جملتها روح حزن، إذ إنما جاء به في معرض الذكرى وتوجس دنو الموت.
وكلمة زهير تجري مواضع الحكمة منها مجرى الوصايا. وليس يقدح في قولنا هذا أن جعلنا الوصايا في جملتها بابا من معدن المراثي. فهذا هو الأصل، إذ الوصية أكثر ما تكون عند الموت. ثم جرت الأسفار وما أشبه من أحوال المفارقة مجرى الموت. ثم صار الوصية من باب الحكمة ومن باب النصيحة وكأنها أمر مستقل بنفسه. وقد جعل أبو تمام وصية يزيد بن الحكم الكلابي:
يا بدر والأمثال يضـ ... ـربها لذي الب الحكيم
في باب الأدب وهو الثالث في ترتيب أبواب كتاب الحماسة.
والحق أن قول زهير
ألا أبلغ الأحلاف عني رسالة ... وذبيان هل أقسمتم كل مقسم
فلا تكتمن الله ما في نفوسكم ... ليخفى ومهما يكتم الله يعلم
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ... ليوم الحساب أو يعجل فينقم
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتمو ... وما هو عنها بالحديث المرجم