أي استغن عن الناس إذا اغتنيت من غير تضييع غير للحقوق. وهذا البيت غير جد بعيد عن معنى النهي عن التسليف وعن الدين
واستأن حلمك في أمورك كلها ... وإذا عزمت على الهوى فتوكل
وهذا مقارب لما نصح به بولونيوس من الإصغاء وتأجيل الحكم حتى يتبين أمره.
وإذا تشاجر في فؤادك مرة ... أمران فاعمد للأعف الأجمل
وإذا لقيت الباهشين إلى الندى ... غبرًا أكفهم بقاع ممحل
فأعنهم وأيسر بما يسروا به ... وإذا هم نزلوا بضنك فانزل
وهذا من آداب مجتمع العرب. وفي كلمة شكسبير مما لم نذكره ما يقابله من آداب مجتمع الإفرنج من هيئة الزي وإظهار يسار الحال من غير تباه بذلك.
هذا وليس الأرب من إيراد كلمة عبد قيس وما استشهدنا به من كلام شكسبير الموازنة في باب الأخذ والسرقات والتوليد وما يجري هذا المجرى من تشابه ألوان البيان وخواطره.
وإن كان ذلك مما لا يخرج عن أربنا كل الخروج. ولكنا إذ نحن بمعرض الحديث عن أشكال القصيد أردنا أن نتساءل، هل لناقد أن يعد كلام شكسبير على لسان بولونيوسه هذا قطعة شعر غنائي؟ وظاهر أن الجواب نفي إذ هذه قطعة من مسرحية معروفة.
أفسنخ كلام بولونيوس هذا من حيث هو نصيحة وخطاب حكيم مختلف عن سنخ كلام عبد قيس، وما استشهدنا به من كلام صالح بن عبد القدوس وأبي الطيب؟ فلماذا يعد كلام هؤلاء غنائيًا؟
الفرق في طريقة التناول. الشاعر العربي مكافحنا لا يحجبه حجاب.
وقد وضحنا القول وفصلناه من قبل أن هذه المكافحة ليست بالغناء (بمعناه النقدي الاصطلاحي الإفرنجي) ولا ينبغي لها أن يلتبس أمرها بأمره. الأديب الإفرنجي والرومي واليوناني من قبل كل أولئك يستتر مستترهم وراء المسرحية ووراء الملحمة فلا يكافح مكافحة صارحة وقولهم غنائي (ليريك بالمعنى الاصطلاحي) لا يعنون به الغناء والترنم وما هو من هذا الباب من الموسيقا. فهذا أبدًا ملازم للشعر. وقد كانت مسرحيات يونان فيما ذكر تصحبها الموسيقا والغناء. ومسرحيات شكسبير فيها الخطب والأسجاع والمرسل المزدوج والقطع الرنانة الوزن من الأغاني. الشعر -كما قال سيبويه- وضع