للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومر الوجود يشف عنك لكي أرى ... غضب اللطيف ورحمة الجبار

وقول لامرتين

Et j'ai monte devant sa face

(١) et la nature ma dit passe

Ton sort est sublime. Il t'a vu.

«صعدت أمام وجهك الكريم فقالت لي الطبيعة سر في طريقك ما أعظم شأنك. إنه رآك» فأنت ترى كيف التقى الشاعران في سمو الخيال وصفائه. على أننا إذا قلنا إن شعر صبري الغنائي كان شبيهًا بالصلاة التي تذهب صعدًا نحو السماء فقد كانت الطبيعة له معبدًا، وكانت المرأة في هذا المعبد تمثال جمال» انتهى نقلنا من كلام السوربوني رحمه الله في هذا الموضع من ص ١٣٥ - ١٣٨».

وإنما وقفنا عند هذا النص من كلام السوربوني لأنه تنبه فيه إلى ما يسمونه Lyrique الغنائي اصطلاحًا ليس هو مذهب قصيدة شعراء العرب. ولكنه منهج أوربي. ثم كأن السوربوني كره أن ينسبه كل النسبة إلى أوربا. فزعم له أصلاً بحتريًا لقول ابن الأثير في البحتري «أجاد سبك اللفظ على المعنى وأراد أن يشعر فغنى» وكأنه بذكره أن أصل Lyrique وهي القيثارة يوحي بنوع من الحجة والبرهان على هذا الوجه الذي ذهب إليه وغير خاف عنه، لا ريب، أن قولهم Lyrique قد صار اصطلاحًا فارق أصله الأول، وأن الغناء فيه مراد به مذهب من مذاهب البيان يكون صاحبه فيه له طريقة من محاكاة للطبيعة في موضوعه مع تقمصه له تقمصًا ذاتيًا مباينًا لما في مذهبي المسرحية والملحمة من المحاكاة محاكاة صاحب الليريك أشبه بمحاكاة الرسام لما يرسمه من منظر مع تسجيل انطباعه في نفسه ينقل بذلك مع شكل المنظر نوعًا من تأثيره الذي أثره على نفسه.

قول ابن الأثير «فغنى» أراد به أن البحتري لم يكتف بإيقاع الشعر ولكن جاوزه إلى إيقاع الغناء- فقوله وصف لرنة الديباجة لا لنفس مذهب البيان. هذا أيضًا لا نحسبه كان مما خفي على السوربوني. بل ينبغي أن ننبه ها هنا أنه في هذا الفصل الذي انتسخناه من كتابه أدب وتاريخ- لعله أن يكون من أوائل من تنبهوا إلى أن مذهب


(١) هكذا في نص «أدب وتاريخ» بالحرف الصغير والصواب E t بالحرف الكبير وهذه الأسطر هي من ٩٧ - إلى ١٠٠ منظومة لامرتين التي عنواتها لا نهائية الطبيعية وقصر عمر الإنسان
Etemite de la nature,
brievete de l'homme.

<<  <  ج: ص:  >  >>