طعن فيه، أنه رحمه الله كان يرصد قوافيه عددًا قبل النظم
عاقدة زنارها ... عن ساقها مشمرة
تلثمت بالأرجوا ... ن وارتدته مئزرة
وارتفعت كأنها ... شرارة مطيرة
ووقعت لم تختلج ... كأنها مسمرة
هذا أول قسم، وقد تدرج فيه من ذكر مملكة النحل وملكة النحل إلى صورة النحلة العاملة. واستعان في الصفة بذباب عنترة وبيراع النابغة:
تقد السلوقي المضاعف نسجه ... وتوقد بالصفاح نار الحباحب
وفي الأبيات إشارة خفية إلى زنار عدي بن زيد. وكان شوقي رحمه الله أبرع من أن يجعل شعره نثريًا مغسولاً كمطران، أو اجتهاديًا كاجتهاديات تلامذة المدارس في موضوعات الإنشاء -الإشارة والتشبيه والاستعارة وطلب الرصانة في التعبير- كل ذلك مما يرتفع بدرجات التعبير:
ثم رجع شوقي إلى موضوع المملكة الذي بدأ به، وجعله تأملاً. ولا يخفي بعد ما ههنا من طريقة العودة القصيدية السنخ:
قف سائل النحل به ... بأي عقل دبره
يجبك بالأخلاق وهـ ... ـي كالعقول جوهرة
هذا من موضوعات التي كانت دائرة بين المثقفين والمفكرين- وأحسب أنها إنما كانت مذهبًا من التعبير عن الإعجاب بحضارة أوربا وتفوقها ومحاولة تأويل ذلك بأن الأوربيين ما تفوقوا بزيادة ذكاء وحذق ومهارة أو رفعة عنصرية كزعمهم وإنما بالأخلاق التي عنوانها ما هم عليه من دقة النظام والمحافظة على المواعيد والديمقراطية في الحكم والحرية في الصحافة إلى آخر قائمة ما صار يسمى بحقوق الإنسان:
تغني قوى الأخلاق ما ... تغني القوى المفكرة
ويرفع الله بها ... ما شاء حتى الحشرة
وما أحد يبغى لنفسه أن يكون حشرة ولو نحلة ولا حشرات ولو نملا- اللهم إلا أن يكره على ذلك إكراهًا من طريق التناسخ عند من يصححه.
ثم ينتقل شوقي بعد ذكره الأخلاق إلى تفصيل ما عناه بذكره، وأن في ذلك تبصرة وذكرى- وهذا المعنى كما لا يخفى يشير به إلى آية سورة النحل: {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتًا ومن الشجر ومما يعرشون (٦٨) ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي