للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يتضح المعنى ههنا- كأنما عنى أن حمرة الشفق فيها معنى من حزن، وما أستبعد أن يكون يشير إلى قول أبي العلاء، وكان إلى «الرومنسية» حبيبًا، على بعده كل البعد عن كل جوانبها إلا الوجدان بعد الوجدان وذلك أمر عن الشعر مما لا ينفصم:

وعلى الدهر من دماء الشهيديـ ... ـن علي ونجله شاهدان

فهما في أوائل الليل فجرا ... ن وفي أخرياته شفقان

أي تبطئ لكيلا تذكرنا بالمأساة التي ذكرها أبو العلاء

للبدر في نسيان يكـ ... ـحل بالضياء الأعينا

ذكر الضياء هنا مناسب وحسن، إذ الليل في العيون سواد يغم ضياءها، فالبدر يجلوه- فهذا أجود من قول العقاد «بعينيه من ومض الملاحة نور» من حيث حاق تدبير البيان.

فيذوب في حدق المها ... سحرًا لطيفًا لينا

قوله «لينا» جيد، ينم عن إحساس مرهف، إذ لا يخفي أن في حدق الملاح لينا- وإنما يفطن الفاطن للينه مع السفور الدائم لا حينا بعد حين، إذ ذلك ربما غلب فيه الزهو-[وجوه زهاها الحسن أن تتقنعا] أو المرح [وتصدفت حتى استبتك- الحادرة]

للحقل يرتجل الروا ... ئع زنبقا أو سوسنا

كذلك يرتحل هنا جيدة لما فيه من تحويل الخطابة التي تنسب عادة من الشعراء إلى الطير في باب المجاز، إلى النبات هنا، وما يفاجئ به من النواوير والأزاهير مع تتابع أسابيع الدفء بعد برد الشتاء، خصوصًا في بلد يكون كلبنان، يمتد ربيعه من عند سيف البحر إلى حيث يدنو من قمم الثلوج- ولله در البوصيري إذ يقول في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم:

فرحت به البرية القصوى ومن ... فيها وفاضلت الوعور سهولاً

وزهت وضاهت حسن لبنان الذي ... لولا كرامة أحمد ما نيلا

<<  <  ج: ص:  >  >>