وهجرها وبلاد السودان والأطراف اللاحقة به من أفريقية وبالعربية من بلاد باكستان والهند والشرق الأوسط والأقصى وداغستان وما وراء النهر وما امتد من ذلك بالهجرة إلى ما وراء البحر المحيط من هذه البلاد- وهذا سوى ما تقدم ذكره من هجرة مهجريي لبنان وسورية- كل ذلك مما مرت به وتمر في شعر العربية خاصة موجات النهضة والتجديد على دفعات متتالية. وكل ذلك مما ينبغي أن يتنبه له ويحرص على درسه، ولا يتسع المجال ها هنا للاستقصاء والتحليل- وهاك مثلا من ديوان الحرية لابن ثابت أورده الدكتور الطريسي أحمد غراب في رسالة للدكتوراه بعنوان الفن والشعر الحديث بالمغرب ومن ثم آخذيه:
لا تسلني كيف كان الأمر إني لست أعلم
كل ما أعلم أني بت في جوف جهنم
وقضيت الليل والليل سعير يتضرم
هائجا يارب ماذا قد جنيت الليل فارحم
تقفز الأحرف من فيه شرارات تكلم
قال لي ربك أدري بك يا صاح وأحلم
أنت منه قد طلبت النار يومًا أنت أظلم
أو لم تسمع إليها وتراها بك أكرم
فذق النار التي أبت إليها وتعلم
فلعل النار تهديك وهدى النار أقوم
أول هذه القطعة معجري متأثر بطلاسم إيليا أبي ماضي، ثم انتقل ابن ثابت، صاحب هذه الأبيان إلى الرمز وأسطورة برومثيوس. وهذا في معنى ما قدمناه من تداخل دفعات الأمواج. والأصل «رومنسي» ثالث لفق به غيره على نحو ما يقال له إكلكتكي- Eclcctic- أي يأخذ من المذاهب المختلفة ويترجمونها بتلفيقي ولا تعجبني إذ ليس التلفيق مذهوبًا فيه إلى أخذ متعمد باستحسان واختيار من مواضع شتى قد لا تتلاءم، ولكن هو ما لفق فيه شق من ثوب بشق آخر أومن ثوبين مختلفين مع حسن الملاءمة اللهم إلا أن نزعم أن الاكلكتكي إنما يريد الملاءمة الحسنة وفيه بعد. والله تعالى أعلم.
هذا وقد مثلنا أكثر ما مثلنا لأهذ على محمود طه وناجي من رومنسية كيتس وكلردج. وليس القصد إلى استقصاء في «الأدب المقارن»، وإلا فغير محتاج إلى كبير دليل أن أخذهم قد تجاوز هذين وغيرهما من رومنسيي الإنجليز وخاصة شيلي، فقد ظل محبوبًا مقروءًا بين محبي الرومنسية من العرب ولا سيما منظومته Ode to the West