التجديد فيكون من هم مازالوا غمرة الموجة الأولى، قد بلغهم فجعل يغمرهم دفاع الموجة الثانية وربما لحق بذلك ألسنة رشاش أو غمر كامل من موجة ثالثة وهلم جرا. فيلفى شاعر نهضي من أوائل المتأثرين بالنهضة قد أصابه رشاش من رومنسية الضرب الثالثة كالشيخ البنا والشيخ عبد الله عبد الرحمن رحمه الله. ويلفي شاعر من الجيل الذي كان تحرر التعليم الحديث قوي الأثر فيه، نهضيًا بحكم ما درس من العربية وما كان فيه مجتمع بلاده من طور التأثر بشعراء النهضة وإيثار الجزالة ولا بد له من موقف إزاء الرومنسية وما جاء بعدها من أطوار بحكم ملابسة المعاصرة وتعذر الانفصام عن المشاركة فيها بسلب أو إيجاب.
محمد المهدي مجذوب جمع بنهضيته بين المتانة والسلاسة ومذهب الجزالة ثم مع رومسيته أخذ بوجوه من التجديد الحديث. محمد عبده غانم حرص من رومنسيته على الصحة والتجويد النهضي وآثر أن يعيب مسائل من مستحدثات الهمس والرمز والخروج عن الوزن، أو كما قال في كلمة له قالها في مهرجان شوقي وحافظ:
ما أن عهدنا الهمس من خاطب ... أكسبه بكرًا ولا ثيبًا
ما للجماهير وللشعر إن ... لم تفهم النجوى ولا المطلبا
فتارة يهمس في أذنها ... كأنما قد هاب أن تغضبا
وتارة بالرمز ينتابها ... والرمز للصفوة إن أعجبا
هامت به بين استعاراته ... لا تنتشي إلا إذا أغربا
وقال ليل الفجر في أفقنا ... أطبق والبوم به أطربا
وكأسنا في قاعها قطرة ... ترفض أن تشرب أو تسكبا
ومن جيد شعر محمد المهدي، ونموذج من شدة أسره قوله: يصف امرأة تتدخن وهو ضرب من التزين، ومن الحمام الساخن، تقعد المرأة فوق مكان حفرة خاصة معد لتوقد فيه نار من خشب الطلح، ثم تشتمل المرأة وتستحم بدهان الطلح الخارج منها- قال والكلمة في ديوانه نار المجاذيب:
وحفرة بدخان الطلح فارغمة ... تندي الروادف تلوينا وتعطيرًا
لمحت فيه وما أمعنت عارية ... تخفي وتظهر مثل النجم مذعورًا
مدت بنانا به الحسناء يانعة ... ترد ثوبا إلى النهدين محسورًا
قد لفها العطر لف الغيم منتشرًا ... بدر الدجى وروى عن نورها نورًا
يزيد صغرتها لمها وجدتها ... صقلاً وناهدها المشدود تدويرًا