للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن هذا كان يصاحبه غير قليل من الشعر بالمظلمة والسخط. وفي بلادنا، أيام الحكم الثنائي، كان للقضاء الشرعي قسم خاص به في كلية غوردن (١) يكون للمتخرجين منه إلمام باللغة الإنجليزية مع ما تلقوه من علوم الشريعة على مذهب الإمام أبي حنيفة (٢) (رضي الله عنه)، فكان هذا فيه تضييق من الفرص على خريجي التعليم الديني البحت غير المشوب بشوب من هذا النهج الجديد.

حرص كثير من الشبان المتخرجين من التعليم الديني على ألا يعدوا جانيا متخلفا عن مسايرة روح العصر، حرصوا على أن ينتموا إلى العصر، ويزيدوا على الانتماء بأن يكونوا فيه أولى صدر وقيادة، ومن هذا المبدأ نشأ بين أصحاب الملكة من بينهم اتجاه يجمع بين الثورة على المحافظة «التقليدية» يرون أنها هي معدن التأخر، وتطلع إلى الحرية- الحرية من قيود هذه المحافظة، والحرية التي ينشدها جميع الوطن العربي من الاستعمار، والحرية التي ينشدها الشباب في الجمال والهوى والطلاقة والصعود المجنح إلى الأحلام البعيدة، أحلام الجاه، أحلام العصر والانتماء المسحور.

أبو القاسم الشابي، الشاعر التونسي، ابن القاضي، أديب مسجد الزيتونة وخريجة ممن يعد رمزا لهذا النوع من الرومنسية، وقد تأثر بشعراء المهجر وأنفاسهم المعرية الإلحاد، يشهد لذلك وبه قوله:

نحن نمشي وحولنا هذا الأكـ ... ـوان تمشي لكنه لأية غاية

نحن نشدو مع العصافير للشمـ ... ـس وهذا الربيع ينفخ نايه

نحن نتلو رواية الكون للمو ... ت ولكن ماذا ختام الرواية

هنا أدركه بعض الإعياء وإنما حام حول معنى أبي الطيب:

تمتع من سهاد أو رقاد ... ولا تأمل كرى تحت الرجام

فإن لثالث الحالين معنى ... سوى معنى انتباهك والمنام

وقول «ختام الرواية» يبدر منه إلى الذهن أن ختام الرواية هو الموت، ولكن قوله إنه يتلوها للموت على أن الموت غاية بهيمنته وإشرافه، إذ لا يعقل أن يكون هذا الموت يتلو هو رواية الكون له شعرا مجرد سامع ومستمع كما نصنع نحن إذ نشهد


(١) أنشئ هذا القسم سنة ١٩١٢ م.
(٢) خلافًا لما عليه أهل بلدنا وذلك مذهب الإمام مالك رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>