للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الله وجانب من قبة المهدي المهدومة وبعض مباني الحكومة الرسمية من الآجر وطابق أرضي واحد. وشارع مرصوف واحد وسطها يسير عليه الترام وما بنيت قنطرة النيل الأبيض إلا وهو ابن خمس عشرة أو ست عشرة سنة.

وفي شعر التجاني رحمه الله تليين في حضارة ولكن أسر البداوة عليه أغلب. ثم حظه من التفصيل في الوصف والدقة في المعاني أوفر، مثلا وصفه الساقية وقواديسها [أي جرارها عندنا]: (١)

وهب صوت النواعيـ ... ـر وهو في الشجو مر

إن الجرار وقد ضا ... ق بالقليب الممر

تكسرت وهي تهوى ... فما تلاءم كسر

فتلك معصوبة الرأ ... س كم تني وتخر

وتلك مرضى وهاتيـ ... ـك للخواطر قبر

ليت شعري هل كان يمكنه تجنب «النواعير» وهي كلمة مع وضوح دلالتها غير مستعملة في بلده وقد تعرف في بلاد أخرى؟ ألو تمسك بالسواقي وهو اسمها المعروف في بلده أما كان ذلك أقوى لأمره وإن اضطره إلى تشديد الياء مشعرًا لها صنفا في نسبة. وكذلك الجرار فالجر- بفتح الجيم- في عامية قومه هو حب الماء الكبير [الزير] وجرة الساقية الصغيرة التي إنما هي دلو اسمها عندنا القادوس وقواديس الساقية الصغيرة التي إنما هي دلو اسمها عندنا القادوس وقواديس الساقية جرارها كما مر بيان ذلك منذ حين قريب على استعمال الجرار هنا يشفع أنها أوضح لقراء العربية. ثم قد آخى بين قاف «القليب» وقاف «ضاق» فاحتاجت راء «الممر» إلى ما يؤاخيها ولعل هذا ما جعله «النواعير» على «السواقي». وقد يرى القارئ بعد دقة الوصف وقوة ملكة اللغة- يعجبني قوله «فتلك معصوبة الرأس» وقوله «تني وتخر» إذ هكذا ترى كثيرًا من قواديس الفخار والساقية بها تدور ولعل ما يخاص منها من مائها متشلشلاً سربًا إلى قليبها بمقدار ما ينساب في الجدول أو أكثر وقوله «وتلك مرضى» أراد به عدة قواديس إذ «مرضى» جمع. ويجوز في قوله «فتلك


(١) سبقت الإشارة إلى مطلع هذه القصيدة:
يا درة حفها النيل واحتواها البر
بمعرض الحديث عن بحر المجتث في الجزء الأول من المرشد وكانت للمؤلف كلمة عنها في مؤتمر المجمع بالقاهرة سنة ١٩٨٤ م.

<<  <  ج: ص:  >  >>