للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخلاصة القول أن الرجز من الأوزان العذبة، وقد كان وزنًا شعبيًا ولا تزال تجده في الأوزان العامية. ولا يصلح للتطويل والاحتفال، وإنما يصلح للقطع وما بمجراها مما يراد به الترنم والهجاء ونحو ذلك ولا يقصد به العمق والتأمل. وكما يود الناقد أن يتنبه المعاصرون من الشعراء للرجز فيجعلوا منه وزنًا يرتاحون إليه من الجد والتقصيد. كما يود الناقد أن لو رجع به الشعراء إلى عهده الأول من قصر النظم على القطع دون المطولات كما كان يفعل الجاهليون. فطبع الرجز نفسه ينفر عن التطويل.

ولأمر ما كان المعري مغيظًا على رؤبة وأصحابه حتى إنه أسكنهم ناحية حقية من جنته في رسالة الغفران، واحتج بأن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها، وأن الرجز من رديء الشعر وسفاسفه (١). وما أظن المعري عنى بحر الرجز في ذاته، لا ولا الأراجيز القصار التي نجدها في أخبار أيام العرب، وسير الخوارج وغيرهم من رجال الإسلام وأصحاب الملاحم، وإنما عنى فيما رأى، ذلك الرجز المطول، ذا الألفاظ الغريبة والنسج الجافي، الذي كان ينظمه رؤبة ودكين وأضرابهما. ويصحح مزعمي هذا أن المعري كان يكثر من الاستشهاد بالأشطار من الرجز في رسائله وكتبه، ولا يصدر مثل هذا الاستشهاد إلا عن إعجاب.

وأختم كلمتي هذه عن الرجز بإيراد أشطار منه أستحسنها غاية الاستحسان مثل قول الراجز:

يا صاح هل تعرف رسمًا مكرسا ... قال نعم أعرفه وأبلسا

وانحلبت عيناه من فرط الأسى (٢)


(١) رسالة الغفران ٢٩٨.
(٢) مكرس بفتح الراء وكسرها: أي مبلد بالأوساخ، والأبيات من جيد كلام العجاج.

<<  <  ج: ص:  >  >>