للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انظر إلى هذا العبقري كيف يستعرض لك أيام الجاهلية - يوم الكلاب، ويوم عين أباغ وانتصار الحرث الغساني على المناذرة، ثم يوم حنين ومن النبي صلى الله عليه وسلم على المشركين، ثم قصة جعفر بن كلاب لما خاصموا بني عمهم، ثم بعد هذا تأمل كيف يضرب الحكمة، ثم يختم كلامه بالمدح الفخم والفخر الذي لا يصدر إلا عن ذي عقل ناضج عميق التفكير عالم بما يفتخر به - كل ذلك قد ألف في لفظ رصين مع براعة في المطابقة والتجنيس، واستغلال لكل ما تخبؤه اللغة من جمال وجلال.

وانظر إلى قوله يعتذر إلى أحمد بن أبي دؤاد الإيادي، وكان بلغه أن أبا تمام وقع في معد (١):

أضحت إياد في معد كلها ... وهم إياد بنائها الممدود

تنميك في قلل المكارم والعلى ... زهر لزهر أبوة وجدود

إن كنتم عادي ذاك النبع إن ... نسبوا وفلقة ذلك الجلمود

وشركتموهم دوننا فلأنتم ... شركاؤنا من دونهم الجود

كعب وحاتم اللذان تقسما ... خطط العلى من طارف وتليد

هذا الذي خلف السحاب ومات ذا ... في المجد ميتة خضرم صنديد

إن لا يكن فيها الشهيد فقومه ... لا يسمحون به بألف شهيد

ما قاسيا في المجد إلا دون ما ... قاسيته في العدل والتوحيد (٢)

فاسمع مقالة زائر لم تشتبه ... آراؤه عند اشتباه البيد

يستام بعض القول منك بفعله ... كملا وعفو رضاك بالمجهود


(١) ديوانه ٦٣ - ٦٥، مطلع القصيدة: أرأيت، أي سوالف وخدود.
(٢) يعني الاعتزال.

<<  <  ج: ص:  >  >>