للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا أدفع أن أسلوب الراعي دون أسلوب لبيد في شدة الأسر، ولكنه متأخر عن لبيد بزمان، وإذا قيس كلامه بكلام صاحبيه جرير والفرزدق وجد أشد أسرًا منهما.

على أنه في هذه الأبيات أحسن في الوصف كل الإحسان. ويعجبني بخاصة تشبيه لرؤوس الإبل المعيية بالفئوس تريد النصول، ثم فصاحته في قوله: "حب الحياة قليلا" أي خرج من الرحم حيًا مدة وجيزة من الزمن. ثم يعجبني جدًا وصفه الرائع للبئر المهجورة البعيدة الغور، والحبل المرتجل الذي صاغه ركبان القافلة من عقل بعرانهم ونحو ذلك مما يشدون به أمتعتهم.

ومن خير ما جاء في هذه القصيدة، خطاب الراعي لعبد الملك بن مروان، فهو كلام جليل نبيل في معناه ولفظه، وذلك حيث يقول:

أخليفة الرحمن إنا معشر ... حنفاء نسجد بكرة وأصيلا

عرب نرى الله في أموالنا ... حق الزكاة منزلا تنزيلا

إن السعاة عصوك يوم أمرتهم ... وأتوا دواهي لو علمت وغولا

أخذوا الكرام من العشار غلبة ... ظلمًا ويكتب للأمير أفيلا (١)

أخذوا العريف فقطعوا حيزومه ... بالأصبحية قائمًا مغلولا

حتى إذا لم يتركوا لعظامه ... لحمًا ولا لفؤاده معقولا (٢)

جاءوا بكهم وأحدب أسأرت ... منه السياط يراعة إجفيلا (٣)

نسي الأمانة من مخافة لقح ... شمس تركن بضيعه مجزولا (٤)


(١) الأفيل: هو الصغير من الإبل لما يفصل.
(٢) الأصبحية: السياط.
(٣) وأحدب، عني به العريف إذا صار أحدب السياط وتركته جبانا رعديدا يراعة إجفيلا.
(٤) اللقح: السياط. والبضيع: اللحم. والمجزول: المقطع.

<<  <  ج: ص:  >  >>