للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخذوا حمولته وأصبح قاعدًا ... لا يستطيع عن الديار حويلا

يدعو أمير المؤمنين ودونه ... خرق تجر به الرياح ذيولا

أخليفة الرحمن إن عشيرتي ... أمسى سوامهم عزين فلولا (١)

قوم على الإسلام لما يمنعوا ... ما عونهم ويضيعوا النهليلا

قطعوا اليمامة يطردون كأنهم ... قوم أصابوا ظالمين قتيلا

وأتاهم يحيى فشد عليهم ... عقدًا يراه المسلمون ثقيلا (٢)

كتبًا تركن غنيهم ذا عيلة ... بعد الغنى وفقيرهم مهزولا

فتركت قومي يقسمون أمورهم ... أإليك أم يتربصون قليلا

هذا الكلام من خير ما قيل في الكامل، ومن أنسب ما نظم فيه. وحق الكامل ألا ينظم فيه -فيما عدا التغني المحض- إلا نحو هذا الكلام الذي تكون فيه العاطفة ناصعة واضحة - وأي شيء أوضح من غضبة الراعي هنا، وشكواه من الظلم, ونفوره منه، ومجابهة الخليفة بذم سعاته وفسادهم، وذكر ما يرتكبونه من الجرائم والآثام.

ومن شعراء المحدثين الأوائل من ضرب في الكامل الفخم بسهم وافر كمروان ابن أبي حفصة، ومن أخفق كأبي نواس، فقد كان لا يحسن التغني بالألفاظ مرسلة في بساطة أو فخامة. وأبو تمام قد سبق الحديث عنه ومذهبه -إن صحت الموازنة- لبيدي لما يغلب عليه من التفخيم وشدة الأسر، على أني لا أملك إلا أن أكرر هنا أنه انفرد بمذهب وحده.

والبحتري شاعر اللطف والرقة غير مدافع. وإن صح أن يوصف عنترة بأنه رقيق أصحاب المعلقات. فالبحتري رقيق الشعراء المحدثين جميعهم، وأطبعهم


(١) عزين: أي متفرقات فرقًا صغيرة بكسر العين والزاي.
(٢) يحيى: لعله ابن الحكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>