للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في غارة لم تنثلم فيها الظبى ... ضربًا ولم تند القنا بخضاب

تركت غرائب منطقي في غربة ... مسبية لا تهتدي لإياب

جرحى وما ضربت بحد مهند ... أسرى وما حملت على الأقتاب

لفظ صقلت متونه فكأنه ... في مشرقات النظم در سحاب

وكأنما أجريت في صفحاته ... حر اللجين وخالص الزرياب

أغربت في تحبيره فرواته ... في نزهة منه وفي استغراب

وقطعت فيه شبيبة لم تشتغل ... عن حسنه بصبا ولا بتصاب

وإذا ترقرق في الصحيفة ماؤه ... عبق النسيم فذاك ماء شبابي

يصغي اللبيب له فيقسم لبه ... بين التعجب منه والإعجاب

جد يطير شراره وفكاهة ... تستعطف الأحباب للأحباب

أعزز علي بأن أرى أشلاءه ... تدمي بظفر للعدو وناب

أفن رماه بغارة مأفونة ... باعت ظباء الروم للأعراب (١)

إني أحذر من يقول قصيدة ... غراء خدني غارة ونهاب

فهذا كلام غاية في الحسن، فيه ما شئت من ظرف وفكاهة، وما شئت من سلاسة وصفاء في الديباجة، على أن السري الرفاء لا يكاد يلحق بطرف من إبداع البحتري في ناحية التغني والإطراب اللفظي.

ومما يعجبني في هذه القصيدة جدًا نعته لشعره، ثم اتباعه هذا النعت الجيد بوصف ما آلت إليه عرائس أفكاره بعد أن هتك الخالديان أستارها وشوها محاسنها بالاختلاس والتعدي.

والحديث عن البحر الكامل لا يجوز أن يختم من غير أن نذكر شيئًا عن


(١) قوله ظباء الروم كأنه تناقض ولو قال إوز الروم كان أشبه إذ تشبيهه المرأة بالغزالة أمر عربي والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>