للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما هو تعداد للمآثر مع المبالغة في التفجع. على أن الشريف في اللامية ينوح بصوت الرجل الفحل لا بصوت الرقة الناعم. وفي الدالية تجد نغمة الأسى أقوى عنده.

ومن عجيب أمر الكامل أن الرثاء قل أن يصلح فيه إن لم يكن نوحًا وتفجعًا. وتصديقا لما أقوله وتأييدًا له أضرب لك مثلًا، عينية أبي ذؤيب الهذلي التي مطلعها: "أمن المنون وريبها تتوجع" (١) فقد بدأها الشاعر متوجعًا متألمًا حزينًا في قوله:

قالت أميمة ما لجسمك شاحبا ... منذ ابتذلت ومثل مالك ينفع (٢)

أما لجنبك لا يلائم مضجعا ... إلا أقض عليك ذاك المضجع

فأجبتها أما لجسمي إنه ... أودى بني من البلاد فودعوا

أودى بني فأعقبوني غصة ... بعد الرقاد وعبرة لا تقلع

سبقوا هوي وأعنقوا لهواهم ... فتخرموا ولكل جنب مصرع (٣)

فغبرت بعدهم بعيش ناصب ... وإخال أني لاحق مستتبع (٤)

ولقد حرصت بأن أدافع عنهم ... فإذا المنية أقبلت لا تدفع

وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع

فالعين بعدهم كأن حداقها ... سملت بشوك فهي عور تدمع


(١) آخر المفضليات، ص ٨٤٩.
(٢) قوله: شاحبًا: أي مهزولا، والفعل من باب المنع. ذكره أبو زيد الأنصاري وانظر المادة في الأساس. وقوله: منذ ابتذلت، هذا التعبير يبدو مشكلًا؛ والعرب تقول: لا أراك تتكلم منذ اليوم، تعني من أول هذا اليوم، ومنذ تفيد ابتداء الزمن. ومنذ ابتذلت، معناها: من حين ابتذالك وارتدائك رث الثياب حزنا على بنيك، فقد جعل الشحوب كما ترى ملازما للحداد. والله أعلم.
(٣) هوي: هواي، وهذه لغة هذيل. تخرموا بالبناء للمجهول: هلكوا.
(٤) إذا هنا فجائية ليست شرطية، وفي البيت بعده شرطية. وأقول بعد، عسى أن تكون في كليهما شرطية والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>