للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو ذهبنا نتتبع ما حاكي فيه أبو ذؤيب شعراء هذيل خاصة وأخطأ، أطلنا عليك أيها القارئ، فبحسبنا هذا القدر. على أني أظلم أبا ذؤيب إن لم أمدح وصفه للمبارزة بين الفارسين في آخر القصيدة في قوله:

فتناديا وتواقفت خيلاهما ... وكلاهما بطل اللقاء مخدع

متحاميين المجد كل واثق ... ببلائه واليوم يوم أشنع

وعليها مسرودتان قضاهما ... داود أو صنع السوابغ تبع

وكلاهما في كفه يزنية ... فيها سنان كالمنارة أصلع

وكلاهما متوشح ذا رونق ... عضباً إذا تم الضريبة يقطع

فتخالسا نفسيهما بنوافذ ... كنوافذ العبط التي لا ترقع

وكلاهما قد عاش عيشة ماجد ... وجنى العلاء لو أن شيئاً ينفع

فهذا وصف ملحمي رائع، ويلائم روح الحزن التي استهل بها كلامه. ولعل أحد أبنائه كان قد مات هذه الميتة الجليلة. وكم يود القارئ أن لو كان أبو ذؤيب اتبع المذهب الملحمي وأطال فيه بعد أن فرغ من التفجع، فانه أنسب للوزن الذي سلكه وأدخل على النفوس (١).

وقد تنبه السيد الحميري إلى ما في بحر الكامل من الصلاحية للوصف الملحمي، فأكثر من ذلك ما شاء في قصيدته المذهبة البائية، وسنعرض لها إن شاء الله.

وخلاصة كلامنا عن بحر الكامل أنه ذو نغم مجلجل رنان، يصلح لكل ما هو عنيف من الكلام كما يصلح للترنم الخالص، والتغني ولا يسوغ فيه التأمل والتعمق بحال من الأحوال إلا على طريقة أبي تمام الذي كان يتغنى أفكاره. ومما يحسن


(١) أم ليس وصف الثور والحمار ملحمي السنخ؟ .

<<  <  ج: ص:  >  >>