للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: ولو شاء الأصمعي لزاد أن أبا ذؤيب إنما أورده هذا المورد الكدر غرامه بالسرقة .. فقد سمع زهير يقول في خيل هرم بن سنان:

منها الشنون ومنها الزاهق الزهم (١)

وكل هذه صفات تدل على السمن. ولكنه لم يدرك أن زهيراً أراد أن الخيل تقاد سمينة أول الغزو، فاذا سارت وهي مجنوبة أياماً ضمرت، وكان سيرها في حالة التجنيب ضرباً من الرياضة لها، حتى إذا وردت ساحة الحرب كانت كما يبغي صاحبها. وزهير ينعت الخيل في حالة البدء بالسمن، وينعتها في حالة الأوبة بالهزال وبأنها «تشكو الدوابر والأنساء والصفقا» وهذا وصف عليم.

ومن تكلف أبي ذؤيب البغيض قوله:

تأبى بدرتها إذا ما استغضبت ... إلا الحميم فإنه يتبضع

وأراد بهذا أن يدل على شبه عرقها بلون اللبن، فكأنه قال: لا لبن لها إلا العرق. وأقحم قوله: «استغضبت» إقحاماً. وأتعب الشراح حتى تأول بعضهم له التأويلات الحسنة، فزعم أن الدرة كثرة العرق، وأن أبا ذؤيب عنى أنها «إذا حميت في الجري وحمي عليها لم تدر بعرق كثير، ولكنها تبتل وذلك أجود لها». (٢)


(١) مختارات الشعر الجاهلي ٢٩٩ - ٧ - أوله: «القائد الخيل منكوباً دوابرها» - أي يرجعها وقد أكل السير مآخير حوافرها، وكانت أول السفر منها الشنون المعتدل الحلق. والزاهق: أي السمين. والزهم: الكثير اللحم والشحم، وقد وضح هذا المعنى في القافية (٢٨٧ - ٥ - ٧) حيث يقول:
القائد الخيل منكوباً دوابرها ... قد أحكمت حكمات القد والأبقا
غزت سماناً فأبت ضمراً خدجاً ... من بعد ما جنبوها بدناً عققاً
حتى يثوب بها عوجاً معطلة ... تشكو الدوابر والأنساء والصفقا
جمع صفاق: وهو الجلدة التي تلي البطن.
(٢) المفضليات ٨٧٩ - ١٧ - هنا قول ابن الأعرابي، وكان القدماء عنده لا يزلون.

<<  <  ج: ص:  >  >>